عند كل تعيين لوزير جديد على رأس قطاع التربية والتعليم يسود عند فئات واسعة من المجتمع وبالخصوص العاملين والمتدخلين في مجال التربية،شعور عام عنوانه التوجس والترقب، يلخصه سؤال محوري : هل سيواصل الوزير المعين ما بدأه سلفه أم سيقطع مع ما رسمه من خطط ومشاريع؟ وعلى ضوء الإشارات التي سيرسلها الوزير المعين تبدأ الاصطفافات ويأخذ كل واحد موقعه بين مؤيد للتوجهات الجديدة لقائد سفينة القطاع ومتأسف على زمن مضى بما له وما عليه.
ولأن للضرورة الصحفية منطقها و للتسويق الإعلامي للوزير الجديد خلفياته فالكل سيستمتع "بشبه أخبار" تجعل أدنى مبادرة وأي قرار يتخذه مسؤول التربية المعين على أنه تصحيح لاختلال ينسب إختزالا وعن وعي للمسؤول السابق حتى يسهل قتله رمزيا ،عكس ما إذا وضع قرار الوزير السابق في إطاره الحقيقي ضمن أوراش التزمت بها الدولة بمختلف مؤسساتها ومستويات مسؤوليها اتجاه الشعب ومنتخبيه وممثليه وأقنعتهم بوجاهتها في حل إشكالات بعينها.
هدا الوضع المتكرر دوما والذي تتغذى منه الصحافة وتغذيه بعناوين بارزة ومفزعة، يعمق ثقافة التشكيك و يخفض بالتالي منسوب ثقة المواطن في قدرتنا الجماعية على تغييير وإصلاح المدرسة العمومية، و هو يخفي في طياته أسئلة أعمق جديرة بالطرح كذلك من قبيل:هل الاختيارات التربوية الاستراتيجية للوطن رهينة بشخص أو حزب أوحكومة؟ ماهي درجة الحرية التي يتمتع بها أي وزير لتغيير الوجهة أو التوجه بناء على مايمكن أن تمليه "قراءته الموضوعية" للوضع التربوي والتعليمي؟
في هذا السياق برز جليا و بشكل قوي توجه يجعل من الاستقرار التربوي رهان السنوات المقبلة من خلال نزع كل أسباب التوتر والاحتقان داخل وحول المدرسة العمومية وجعلها في منأى عن المزايدات والمقايضات التي جعلت التلاميذ والطلبة دروعا بشرية في حرب التوقفات والوقفات الاحتجاجية، وهو توجه واختيار يبرره البعض بضرورة وقف هدر حق أبنائنا في حد أدنى من التمدرس أي"السميك التربوي" ،بينما يفسره أخرون برغبة الحكومة الحالية في أخد المسافة السياسية الضرورية من برامج ومخططات سالفة حتى وإن لم يكن لها بالإمكان إبداع أكثر مما كان.
لكن هل الاستقرار في بعديه الاجتماعي والسياسي غاية أم وسيلة لتحقيق الأهداف المثلى للمنظومة التربوية؟ هل يحقق لوحده مبتغى المغاربة قاطبة في بناء مدرسة عمومية مغربية عصرية وذات جودة ومعالم وأسس محددة لايمكن لأي كان أن يعيد النظر في أسسها البنيوية والتي هي الضمانة الأولى لاستقرارها الفعلي؟
بالطبع لا. المدرسة المغربية بحاجة إلى مقومات داخلية ورؤية سياسية في إطار مشروع مجتمعي يضمن لها "السلم التربوي" وليس الإجتماعي فقط. لأن هذا الأخير يتحدد كذلك بمدى قدرة المدرسة على جعل الكل يحقق ذاته من خلالها.
اليوم وبعد عودة الحديث بقوة عن مصير الميثاق الوطني للتربية والتكوين في خضم الآراء المتضاربة والصراخ الإيديولوجي المتعال ،لا بد من التذكير بأن هذا الميثاق كان له دور تاريخي غير مسبوق في طرح ومناقشة واقتراح بكيفية تشاركية لأنجع وأنسب الاختيارات لتحديد ملامح مدرسة مغربية جديرة بأبنائنا وبناتنا تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الضرورية بين موارد البلاد ومطالب الشعب ونخبه والتحولات الجيو سياسية والحضارية التي كان المغرب يستحضرها في بداية القرن الجديد.
اليوم ورغم تسرع الكثيرين في الحكم بالفشل على أي شيء يتعلق بالتربية في بلادنا في إطار التقاطب السياسي الذي ذكرنا، يبقى الميثاق الوطني وثيقة مرجعية فريدة بحكم أنها كانت إلى وقت قريب هي المؤطر الأساسي لأي سياسة عمومية في مجالي التربية والتعليم، وجاء البرنامج الاستعجالي لضخ الإمكانيات والأفكار الجديدة لكي تتحقق النتائج المرجوة وتدارك التأخر الحاصل وفق ما رصده التقرير الشامل الذي أنجزه المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 حول "حالة المدرسة",
لذلك وضمانا لاستمرارية الإجماع الذي تحقق حول الميثاق أصبح من الضروري ليس فقط مراجعة ما أنجز في الميدان على ضوء توجيهاته ولكن تجديد وتحيين مضامينه هو أيضا حتى يتلاءم مع المستجدات السياسية والدستورية والثقافية التي يعرفها المغرب ولعل أبرز التحديات التي يمكن سردها في هذا السياق والتي لن يجيب عليها أي وزير وأي حكومة، الجدل الدائر والمستمر حول قضايا مصيرية كمكانة اللغة الأمازيغية في المنظومة وتنزيلها بعد دسترتها، ولغات التدريس وتدريس اللغات وإشكالات علاقة التعليم بالحركية السكانية والمجالية في بلد يرفض جزء كبير من نخبته العيش والاستقرار في مناطق بعينها و تعجز فيه المنظومة منذ عقود عن إبداع أشكال حديثة للتكيف والملائمة مع هكذا وضع، إضافة إلى قضايا استشرافية كبرى لعل أبرزها توفير عرض تربوي نوعي وكفاءات و مناهج وبرامج منسجمة مع المشروع الكبير للجهوية الموسعة.
إن إعادة قراءة الميثاق الوطني للتربية والتكوين على ضوء كل هذه الاعتبارات سيجعله أكبر من خارطة طريق أو برنامج عمل كما هو عليه الحال وأقل من "دستور تربوي" كما هو مأمول ،لكي يحتضن الانشغالات الآنية والمستقبلية للمغاربة وفق آليات متجددة للتشاور الهادئ والرصين حتى تكون المدرسة المغربية أقل تأثرا بتغيير الوجوه الحكومية وما يتبعه من تقاذف للمسؤوليات في مجال حيوي كالتربية والتعليم لازال المغاربة يؤمنون بجدواه في التطور الذاتي والتنمية المستدامة للوطن.
يوسف سيمو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق