أعلان الهيدر

الرئيسية كلمة السيد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط في افتتاح اللقاء حول "أية أهداف للتنمية لما بعد 2015 ؟"

كلمة السيد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط في افتتاح اللقاء حول "أية أهداف للتنمية لما بعد 2015 ؟"



كلمة السيد أحمد الحليمي علمي،
المندوب السامي للتخطيط
في افتتاح اللقاء حول

"أية أهداف للتنمية لما بعد 2015 ؟"


الرباط، 27 يناير 2015


تمكن المغرب، منذ سنة 2000، من الحفاظ على مسار نمو مرتفع، بلغ في المتوسط السنوي 4.4٪ بين 2000 و2014 ومن تقليص البطالة منذ 1999 مع ارتفاع طفيف منذ سنة 2011 لتبلغ حوالي 9.8٪ سنة 2014. ونتيجة لذلك ارتفع الدخل الوطني الإجمالي المتاح بنسبة 5٪ سنويا، وتحسن الاستهلاك، ومع تطور متحكم فيه للأسعار في حدود لا تتعدى 1٪، تحسنت القدرة الشرائية بمتوسط 4٪ في السنة ما بين 2009 و2014.
لقد شكلت القطاعات الاجتماعية من جهتها موضوع اهتمام خاص لامتصاص العجز المتراكم في البنيات التحتية الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالات التعليم والصحة والولوج إلى الماء الصالح للشرب والكهرباء. وقد تعززت هذه الجهود بفضل محاربة الفقر والهشاشة التي تطلبت تعبئة 55٪ من ميزانية الدولة بالموازاة مع برامج وأنشطة خاصة تحتل فيها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكانة محورية.
في ظل هذه الظروف، تمكن المغرب من تحقيق معظم أهداف الألفية للتنمية. وهي حقيقة أكدتها كل من تحاليل وإسقاطات المندوبية السامية للتخطيط وكذا المؤسسات الدولية.
تبين اتجاهات تحقيق مؤشرات أهداف الألفية من أجل التنمية ما يلي:
·        القضاء شبه التام على الفقر المدقع والجوع في المغرب منذ بداية سنة 2000؛
·        الاتجاه نحو القضاء على أشكال الفقر المطلق ومتعدد الأبعاد في الوسط الحضري غير أنها تظل بالرغم من تراجعها الحاد، سمة تطبع الوسط القروي والجهات الأقل تمدنا والأكثر تفاوتا؛
·        لقد تم تعميم التعليم تقريبا (بلغ المعدل الصافي لتمدرس الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 6 و11 سنة 97٪ سنة 2012) وتقليص التفاوتات بين الجنسين في جميع مستويات التعليم: بلغ مؤشر المناصفة في التعليم الابتدائي 91٪ في 2011-2012؛
·        حقق المغرب أيضا تقدما في المجال الصحي، حيث تمكن من التحكم في عدد من المشاكل الصحية، خصوصا وفيات الأمهات والأطفال دون سن الخامسة والتي انخفضت على التوالي بحوالي 60٪ و 66٪ خلال عشرين سنة. تشكل تقديرات وفيات الأمهات حاليا موضوع نقاش في أوساط وكالات الأمم المتحدة. إن حالات الملاريا وفقدان المناعة المكتسبة (SIDA) والتي تبقى في مستويات منخفضة نسبيا، يمكن تفسيرها بانفتاح البلاد؛
·        إضافة إلى ذلك، عرف ولوج السكان للخدمات الاجتماعية الأساسية وتيرة أسرع، حيث تم تعميمه بالوسط الحضري وهو في طريق التعميم بالوسط القروي. وناهزت نسبة المستفيدين من الكهربة القروية 98٪ سنة 2012 مقابل 9,7٪ سنة 1994، بينما بلغت نسبة الاستفادة من التزود بالماء الصالح للشرب 93٪ مقابل 14٪ على التوالي.
بالرغم من الجهود التي بذلت في مجال التنمية البشرية إلا أنه لم يتم تقليص الفوارق الاجتماعية التي حافظت على استقرارها، الشيء الذي يهدد المكتسبات في مجال محاربة الفقر والهشاشة.
انطلاقا من هذه الانجازات والتوقعات سيتمكن المغرب من تحقيق أهداف الألفية للتنمية في أفق 2015 أو أنه سيحقق الأهداف المحددة بنسبة تفوق 90٪.
سياق الانتقال الديمغرافي مع احتياجات مجتمعية جديدة، مادية وثقافية
تجدر الإشارة مع ذلك، إلى أنه قد تم تسجيل هذه الإنجازات في سياق انتقال ديمغرافي متقدم يتسم بتغيرات في أنماط  الاستهلاك، وتطلعات العيش الكريم، وحركية القيم وتحولات المجتمع والتي أحدثت متطلبات جديدة في مجال النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والبيئي...  
واكب هذه التطورات عموما ظهور احتياجات مادية وثقافية جديدة في مجتمعنا، حيث تجسدت في بزوغ  وزن متزايد لفئات اجتماعية جديدة، لاسيما الأشخاص المسنين والشباب والنساء والمجتمع المدني.
لقد استجاب المغرب لهذه المتطلبات الجديدة وعن تطلعات الفئات الاجتماعية التي أفرزتها عبر إصلاحات عميقة شكلت فيها مراجعة الدستور بعدا جوهريا.
ولهذه الغاية، اعتمد المغرب سياسات اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار هاجس الاستدامة. حيث تكشف الإنجازات المحققة في مجال تدبير المالية العمومية، وتحسين نوعية برامج التنمية الجهوية، وتنفيذ سياسة منسجمة لإعادة تأهيل المجال الحضري عن الجهود المتزايدة للحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية من جهة، مع مراعاة التوازنات الاجتماعية والبيئية من جهة أخرى.
هكذا، فالمغرب مدعو بصفة عامة، وفي إطار أهداف الألفية للتنمية لما بعد 2015، إلى تحديد أهداف جديدة للمستقبل استجابة للاحتياجات المستجدة في المجتمع، بموازاة مع انشغالات المجتمع الدولي والتي ما فتئت تشكل اليوم موضوع نقاش على مستوى مختلف القارات ولاسيما بإفريقيا.
يتعين على هذه الأهداف أن تستجيب على الخصوص، لمتطلبات استدامة النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي والعيش الكريم للسكان. وهذا يعني أنه من الضروري أولا تعزيز المكتسبات التي تحققت في هذه المجالات وإعطاء الأولوية في السياسات العمومية، لامتصاص العجز الفعلي أو المتوقع الذي ما زال يهددها.
وفي هذا الصدد، فإن نمو اقتصادي مدعوم بسياسة اقتصادية حازمة لإحداث تحولات هيكلية لنسيجنا الإنتاجي مع هاجس الحفاظ المستمر على التوازنات الماكرواقتصادية، ينبغي أن يكون الهدف الأول لخلق فرص الشغل وللحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية ولاستدامة التماسك الاجتماعي.
أية أهداف لما بعد 2015؟
ينبغي أن تكون هذه الأهداف موضوع نقاش معكم اليوم وإلى غاية توفر معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 في حدود منتصف العام قبل تقديمها بشكل رسمي في إطار التقرير الوطني السادس الذي سيتزامن مع موعد 2015. وسوف تقتصر مداخلتي، إذا سمحتم، على بعض الأهداف لما بعد 2015، على أمل أن محتواها سيتم إثراؤه واستكماله بأهداف أخرى، وذلك بفضل إسهامكم المعرفي وتجربتكم.
الاستفادة من الهبة الديموغرافية لإصلاح النظام التربوي وتثمين مؤهلات وطموحات الشباب
إصلاح النظام التربوي لتحسين مردوديته
يعتبر التعليم عاملا للمساواة وللنهوض الاجتماعي. ويبقى الفرق في مستويات التعليم والتكوين مصدرا لعدم تكافؤ الفرص، فزيادة عدد سنوات التمدرس بسنة واحدة تمكن من تحسين فرص الارتقاء الاجتماعي ب 13.7٪ في المتوسط.
إذ يجب أن يكون التعليم موضوع إصلاحات هيكلية لتحسين مردوديته. في هذا المجال، يتوجب إدراج تعميم التعليم الأولي من بين أهداف ما بعد سنة 2015. وبالفعل، فكل تلميذ استفاد من التعليم الأولي له الحظ  في تجنب الهدر المدرسي بنسبة ست مرات أكثر ممن لم يتلقى هذا التعليم.
تشكل الاستفادة غير المتكافئة في نظام التعليم والتكوين أحد أهم أسباب عدم المساواة، حيث أن 31.3٪ من إجمالي عدم المساواة تعزى إلى تفاوت مستويات تعليم أرباب الأسر.
وتعزى التفاوتات في الأجور إلى الظروف التي يواجهها الأفراد والخارجة عن إرادتهم (عدم تكافؤ الفرص). على الصعيد الوطني، يسهم عدم تكافؤ الفرص بنحو 26.4٪ في تفاوتات الأجور.
تكشف الدراسة حول الحركية الاجتماعية الطابع الهيكلي لعدم المساواة، فمعدل الارتقاء الاجتماعي هو أعلى لدى الرجال (43.7٪) مقارنة بالنساء (17.9٪) وأكثر شيوعا في الوسط الحضري (51.1٪) مقارنة بالوسط القروي (14.8٪).
تثمين مؤهلات وطموحات الشباب
يجب على المغرب تثمين  الفرص التي يتيحها انخراطه في انتقال ديمغرافي متقدم، خصوصا، تثمين المؤهلات الهامة التي يجسدها اليوم ولفترة طويلة، الوزن الذي يمثله الشباب ضمن الهرم السكاني للمغرب.
نحن نعلم أن الشباب المغربي، يظهر تطلعات قوية لأنماط جديدة من الاستهلاك، وقيم جديدة للتعبير والسلوك ونماذج جديدة للاتصال. لكن، وفي سياق تراجع التضامن العائلي الذي يمكن من التخفيف من تكلفة دخول الشباب للحياة النشيطة، يواجه الشباب اليوم عدم ملائمة تكوينهم مع متطلبات سوق الشغل ومعاناتهم كذلك من آفات البطالة والشغل الناقص وضعف دخلهم. وهم الآن من بين الفئات الأكثر عرضة للبطالة. يبلغ معدل البطالة لدى الفئة العمرية 15-24 سنة  19.3٪، أي ضعفي المستوى الوطني. ويصل هذا المعدل إلى 25٪ بين الشباب حاملي الشهادات المتوسطة و 60٪ من بين خريجي التعليم العالي.
لذا فإنه ليس من المستغرب أن بحوثنا تبين مستويات عالية لعدم ثقتهم بالمؤسسات وتفاوتا في إدراكهم للحقائق الوطنية مع ضعف تواصلهم مع المنظمات الاجتماعية والسياسية. وهذا ما يفسر أن أكثر من نصف الشباب لا يشاركون بالمرة في الانتخابات، 21٪ منهم فقط تعطي ثقة كبيرة للعدالة، و17٪ للصحافة و16٪ للمنظمات غير الحكومية و للبرلمان و7٪ للجماعات المحلية و 5٪ للأحزاب السياسية.
إعادة التوازن في الفوارق بين الرجال والنساء
رغم التحسن الملموس في تقليص الفوارق بين الجنسين، لا زالت 45.7٪ من النساء تعاني من الأمية ومستويات عدم النشاط والبطالة، بشكل أكبر بكثير مقارنة بما يعرفه الرجال. حيث تبلغ نسبة مشاركة المرأة في سوق الشغل أقل من 24٪. أضف إلى ذلك أنه بالرغم من جهودها في الحصول على دبلوم، تعاني المرأة من البطالة مرتين أكثر من الرجل، بنسب تبلغ على التوالي28٪ و14٪ . فضلا عن ضعف مشاركتهن في سوق الشغل، فإن النساء الأجيرات لديهن أجر متوسط أقل ب 26 ٪ مقارنة بالرجال.
بالإضافة إلى ضعف مشاركة النساء في سوق الشغل، فهن أكثر عرضة للبطالة من الرجال (9.9٪ لدى النساء مقابل 8.7٪ لدى الرجال سنة 2012). هذا التمييز في الولوج إلى التشغيل هو أكثر حدة بين الحاصلين على شهادة الباكالوريا (2.6 مرة)، وخريجي الجامعات (2.1 مرة) والمدارس والمعاهد (1.8 مرة) والتقنيين والأطر المتوسطة (1.5 مرة).
 يبرز ضعف إدماج النساء في المجال الاقتصادي من خلال طبيعة عملهن المتسم بالعمل المنزلي والعمل بدون أجر. تؤدي النساء  معظم العمل المنزلي 92)٪(،  في حين لا تمثل حصتهن في الحجم الإجمالي للعمل المهني سوى 21٪.
وهكذا، فإن المرأة ليس لديها فقط فرص قليلة للولوج إلى تكوين مؤهل وشغل مؤدى عنه، ولكنها تتعرض أيضا إلى التمييز من حيث تعويض الأجرة. وتمثل النساء 33.6٪ من المأجورين على المستوى الوطني ويستفدن فقط ب 20.9٪ من كتلة الأجور. ويتقاضين أجرا يقل ب 26.2٪ عما يتقاضاه الرجال. في مجال الارتقاء الاجتماعي، فإن حظ المرأة لتبوء مكانة اجتماعية أعلى من مكانة والدها تقل ب 7.1 مرة عن حظ  الرجل.
لا زالت نسبة الأمية لدى النساء القرويات جد مرتفعة، حيث بلغت 52.6٪ سنة 2012، أي ما يمثل فارقا زمنيا يبلغ 30 سنة مقارنة مع المتوسط الوطني. هذا، و يطال العنف 62.8٪ من النساء، واللائي  تعتبر وضعيتهن هشة للغاية. ويبين ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية، أن تكافؤ فرص هاته الفئة من السكان هي ضرورة وطنية مؤكدة. يتعين إدراج ولوج النساء إلى مصادر المعرفة والثروة وسلطة القرار، مثل الرجال، مع القضاء على خرق حق الفتيات في احترام السن القانوني للزواج من بين أولويات السياسات العمومية في جدول الأعمال الوطني لما بعد 2015.
ضمان تقاعد كريم لساكنة مسنة في تزايد
ينبغي أن يكون هدف ضمان تقاعد كريم للساكنة المسنة أولوية في أجندة الأهداف لما بعد سنة 2015. إن شيخوخة السكان، التي تثقل أصلا النظام الصحي وصناديق التقاعد والرعاية الاجتماعية من شأنها أن تعقد أكثر تدبير هاته الإشكالية.
ومن المتوقع أن تنتقل نسبة الأشخاص المسنين من 9.6٪ سنة 2014 إلى 24.5٪ سنة 2050. يقتضي التضامن بين الأجيال توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد. 84٪ من الأشخاص المسنين لا يستفيدون من التقاعد و 87٪ لا يتمتعون بتغطية صحية.
لهذا، يتعين أن يشكل إدماج الأشخاص المسنين في أنظمة تحصنهم من تدهور ظروف عيشهم واجبا وطنيا، وخاصة في بلد يولي احتراما خاصا للمسنين ولدورهم في الحفاظ على التوازن العاطفي للأسرة.
إن هذه الضرورة، تعتبر أكثر إلحاحا بالنظر للحالة الصحية للأفراد ما بعد 60 سنة مع تعرضهم للإصابة بأمراض مزمنة، ونتيجة لذلك، فإن مردوديتهم تعرف تراجعا مع تقدمهم في السن، لذلك ينبغي أن تأخذ الإصلاحات المرتقبة في الأنظمة الوطنية للتقاعد بعين الاعتبار، الآثار المترتبة عن احتمال تمديد سن التقاعد.             

لقد استبق دستور 2011 القضايا الرئيسية في مجال مشاركة المواطنين في مختلف الهيئات الاجتماعية (المنظمات غير الحكومية، النساء، الشباب، هيئات الحكامة،الخ...) فضلا عن تعزيز حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة. هذه القضايا، التي هي اليوم مطروحة للنقاش على المستوى الوطني، ستشكل لا محالة المحاور الرئيسية لتقرير سنة 2015 حول حصيلة إنجازات أهداف الألفية للتنمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تربوي تكويني. يتم التشغيل بواسطة Blogger.