أعلان الهيدر

بيداغوجية الادماج ؟





هل من الضروري إلغاء بيداغوجيا الإدماج ؟
مع إعلان وزير التربية الجديد عن توقيف بيداغوجيا الإدماج في التعليم التأهيلي الإعدادي والتكوين فيها إلى حين تقييم تطبيقها في التعليم الابتدائي،وإعطاء صلاحية تطبيقها في الابتدائي للمدراء والمدرسين،وعن إلغاء المذكرة 204 المنظمة للتقويم حسب مقاربة الإدماج،انطلقت نقاشات وتأويلات وسط الأسرة التعليمية تتجه نحو إلغاءبيداغوجيا الإدماج. فهل من الضروري التخلي عن بيداغوجيا الإدماج؟ 


من المفهوم أن مبادرة الوزير جاءت في سياق سياسي وقطاعي الكل يعرف خصائصه المتوترة والمبددة للمال العام؛حيث عمل السيد الوزير الجديد،من جهة، على النزول عند رغبة النقابات والأوساط التي قاطعت تطبيق بيداغوجيا الإدماج وطالبت بتوقيفها أو تأجيل تطبيقها إلى حين توفير الشروط البيداغوجية والموضوعية السليمة لهذا التطبيق؛وبذلك عمل الوزير على تجنب ووقف بعض التوترات المرتبطة ببيداغوجيا الإدماج(مقاطعتها…)،وعمل أيضا ،من جهة أخرى،على توقيف هدرالمال العام الذي استنزفه تطبيق هذه البيداغوجيا من خلال التكوينات ومختلف التعويضات المبالغ فيها، والعدد الكبير للدلائل والمصوغات والكراسات والمطبوعات والمذكرات… 


إن هذا الحراك البيداغوجي المرتبط ببيداغوجيا الإدماج والذي يدفع نحو المطالبة بإلغاء هذه البيداغوجيا من المدرسة المغربية،يجعلنا نتساءل:هل يعتمد(مطلب الإلغاء) على حجج ومبررات بيداغوجية؟وهل يؤسس قراره على تقييم بيداغوجي موضوعي لتطبيق هذه البيداغوجيا؟وهل لا يخلط بين المقاربة في بعدها وأهدافها البيداغوجية وشروط تنزيلها وتطبيقها على الطريقة المغربية ؟ 


نظن بأن أي توجه نقدي أو معارض أو رافض لبيداغوجيا الإدماج يجب أن يتأسس أولا على مرجعية معرفية بيداغوجية متينة،تدحض أهداف وأطروحاتبيداغوجيا الإدماج وتبين سلبياتها النظرية والتطبيقية وتعطي البديل البيداغوجي الأحسن؛لذا،سنتعرف أولا على الأهداف والأطروحات النظرية لهذه البيداغوجية،وسنقدم جردا لأهم الانتقادات والاعتراضات التي رصدناها لدى الفاعلين التربويين،لنرى مدى متانة هذه الانتقادات والاعتراضات،ومدى صدقية ضرورة إلغاء هذه البيداغوجيا في المدرسة المغربية. 


بيداغوجيا الإدماج في بعدها النظري البيداغوجي 


حسب الأدبيات البيداغوجية المرتبطة ببيداغوجيا الإدماج،والتي بكزافيي روجرز(الذي تعاقدت الوزارة مع شركته البيداغوجية لتطبيقها في المغرب)،فإن بيداغوجيا الإدماج هي تطوير وأجرأة لمقاربةبيداغوجيا الكفايات الأساسية لدوكتيل،حيث اعتمادا على مبدإ إدماج التعلمات،وعبر التوظيف الدائم لوضعيات الإدماج وتعلم حل المهام المركبة،فإن هذه البيداغوجيا تحاول مجابهة وتجاوز ضعف فعالية الأنظمة التربوية،وذلك من خلال تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:الأول :تحديد ماينبغي ان يتحكم فيه المتعلم/ة في آخر كل سنة دراسية ،وفي آخر التعليم الإلزامي،وما ينبغي للمدرس أن يدرسه؛الهدف الثاني:إعطاء المعنى للتعلمات،وذلك بأن نبين للمتعلم جدوى وصلاحية مايتعلمه في المدرسة،وتجاوز المقاربة المعتمدة على لائحة المضامين/المواد والمهارات الفارغة من المعنى،إلى مقاربة بالكفايات تعلم المتعلم كيفية موضعة تعلماته واستعمالها من خلال وضعيات ذات معنى بالنسبة إليه؛الهدف الثالث:التأكد من تعلمات المتعلم من خلال حل الوضعيات المركبة،وليس من خلال مجموع المعارف والمهارات التي قد ينساها،والتي قد لا يعرف كيف يستخدمها في حياته العملية؛لذلك فإن هذه المقاربة البيداغوجية هي الجواب على مشاكل الأمية )Pédagogie de l intégration en bref,Xavier Roegiers الوظيفية.( 


كما اقترحت هذه البيداغوجيا تنظيميا وتخطيطا بيداغوجياللتعلمات(سنويا أساسا)،ينطلق من لائحة الكفايات الأساسية المرحلية والنهائية والأهداف المحققة للكفاية،وتخصيص أسابيع(5أو6 أسابيع) لتعلم الموارد(معارف،مهارات،مواقف) من خلال وضعيات ديداكتيكية،وتخصيص بعد ذلك فترة(مغربيا تم اعتماد أسبوعين) لدمج الموارد المكتسبة لبناء و تطوير الكفايات المستهدفة. 


و اعتمدت هذه المقاربة على نظام تقويمي(تكويني أو إشهادي) يتأسس على حل ومعالجة الوضعيات المُركبة،عوض الاعتماد على تقييم الموراد المكتسبة بشكل مجزأ،وذلك من خلال اعتماد معايير ومؤشرات وتعليمات دقيقة تؤمن شروط التقييم الموضوعي والدقيق. 


كما أن هذه البيداغوجيا من الناحية التربوية المعرفية العقلية(وهذا لم يصرح به روجرز على ما أظن)،تربي المتعلم على قدرة التركيب(وهي من القدرات العقلية العليا حسب صنافة بلوم) وليس فقط على قدرة الإدراك والتذكر،من خلال معرفة المعلومات واسترجاعها. 


كان لا بد من التذكير بأهداف ومقاربة هذه البيداغوجية حسب مرجعها الأصلي،لنستطيع أن نقيم بموضوعية مكامن الخلل في التطبيق والتزيل المغربي لها،والذي أثار موجة من الرفض والانتقاد،ومنها: 


أسباب الرفض والانتقاد 


-عدم ملاءمة الموارد المتضمنة في لائحة ومراحل الكفايات مع الموارد المقررة زمنيا في البرامج المعتمدة. 


- تعقد الوضعيات الإدماجية المقترحة وعدم ملاءمتها للقدرات النمائية والمستويات الدراسية للمتعلمين. 


- عدم تخصيص فترة لدعم الموارد قبل الشروع في أسبوعي الإدماج(“لا إدماج لمن لا موارد له”). 


- الإقحام المفاجئ للمتعلمين في أسبوعي الإدماج دون تهييئه لذلك سابقا. 


- كثرة عُدد التقييم وتعقد نظام التقييم (شبكات،اعتماد ثلاث صيغ للإنجاح)،مما يثقل كاهل المدرس والمتعلمين بكثرة المهام،مع غياب توفير بعض من هذه العدد من طرف الإدارة(خصوصا الشبكات). 


- كثرة المواد والموارد(تضخم المقررات). 


-غياب الشروط الموضوعية لإنجاح وتطبيق هذه البيداغوجية(الاكتظاظ،الأقسام المشتركة،غياب الوسائل،عدم إمكانية التحكم في فضاء القسم خلال عمليات التفييء…). 


- هدر الزمن المدرسي(كثرة التكوينات وبرمجتها على حساب زمن تعلمات المتعلمين) 


- ضعف التكوين والمواكبة التأطيرية 


- هدر المال العام.(كثرة التعويضات والمذكرات والمطبوعات…) 


كما لاحظنا فإن جل هذه الانتقادات والاعتراضات منها ماله علاقة بطريقة تنزيل وتفريغ هذه البيداغوجية،ومنها ماله علاقة بسوء التدبير وبغياب الظروف والشروط الموضوعية للتطبيق. 


وأظن أن التنقيح الجديد للتوجيهات والبرامج المعتمدة في الابتدائي حاول تجاوز بعض الاختلالات المسجلة،خصوصا تخصيص فترة لتوليف الموارد ودعمها وتقويمها،ملاءمة تخطيط الموارد المحققة للكفايات والإدماج مع البرنامج الدراسي المقرر،التخفيف نسبيا من بعض المضامين والمواد…غير انه ورغم هذا التنقيح،فإنه لازال هناك تضخم للمضامين والموارد،ولم يتم بشكل ملموس وكاف اعتماد مقاربة الكفايات الأساسية،والتركيز على الموارد الأساسية فقط المرتبطة باللغات(كتابة وقراءة) والرياضيات والنشاط العلمي وتخصيصها بغلاف زمني أكثر وكاف،و يجب أيضا أن ترتبط الأنشطة الإدماجية بها فقط( اكتسابا وتقييما) ،لأنها هي الأساس في التعليم الابتدائي والمتحكمة في نجاعة التعلمات والنتائج في الأسلاك اللاحقة،ولتخفيف وتسهيل المهمة على المتعلمين والمدرسين،كما انه يجب اعتماد مبدأ التدرج للانتقال من البسيط إلى المعقد،ومن المشخص إلى المجرد في تطبيق الإدماج وصياغة الوضعيات الإدماج،وذلك حسب المستوايات النمائية والدراسية للمتعلمين،وحسب مراحل السنة. 


كما أن الانتقادات والاعتراضات المرتبطة بالشروط والظروف الموضوعية للتطبيق هي وجيهة،وتتطلب من الوزارة العمل الجدي والسريع على توفير الشروط والظروف المهنية السليمة والجيدة للمدرسين داخل الفصول الدراسية،والتي تم إغفالها وتهميشها في كل الاصلاحات تقريبا(ومنها المخطط الاستعجال الذي خُصص له الملايير لمعالجة اختلالات المنظومة التعليمية،لكنها لم تصل إلى جودة الفصل الدراسي). 


دواعي عدم الإلغاء 


مما سبق نستنتج أن اختلالات التنزيل و السخط على ظروف وشروط التطبيق جعل البعض يخلط بين الأمور و يدعو إلى إلغاء بيداغوجيا الإدماجنفسها جملة وتفصيلا،وكأنها هي سبب تلك الاختلالات والسخط ! في حين أن مقاربة بيداغوجيا الإدماج،وكما رأينا،لها أهداف بيداغوجية جيدة ومتطورة،بالمقارنة مع بيداغوجيا الأهداف المطبقة سابقا،ومع المقاربات التقليدية العقيمة. 







ما المقصود ببيداغوجيا الإدماج؟
تُعد بيداغوجيا الإدماج إطارا منهجيا لأجرأة المقاربة بالكفايات، أي أنها تُقيم ترابطا، من جهة بين التوجهات والاختيارات التي يتبناها نظام تربوي معين، والتي تُترجم إلى خطوات تعليمية أو تعلمية أو تقويمية مناسبة، ومن جهة ثانية بين الممارسات البيداغوجية التي توضحها تلك الخطوات.
إنها مقاربة منهاجية تستحضر المشروع المجتمعي لكل بلد، وتأخذ بعين الاعتبار قيمه المجتمعية، وتُشجع على تبني اختيارات بيداغوجية مناسبة، تعمل على تقديم صيغ تنظيمية للتعلمات والتقويم داخل نظام تربوي، للوصول إلى ملمح التلميذ المنشود.  وهي بهذا لا تتدخل في غايات والمحتويات العامة للنظام التربوي، لكون ذلك أشد ارتباطا بالسياسة التربوية لبلد معين. إن دورها شبيه بصنيع المهندس، الذي يصمم مشروع بناء ملبيا اختيارات الزبون، بينما دور المقاول هو إنزال التصميم إلى أرض الواقع.


هل بيداغوجيا الإدماج طريقة بيداغوجية ؟
ليست بيداغوجيا الإدماج طريقة بيداغوجية، ولا تنظر نظرة معيارية إلى الطرائق المعتمدة في واقع الممارسة المهنية، ولا تملي على الفاعلين التربويين تبني طرائق بيداغوجية أو تكوينية مخصوصة، وإنما تحرص على احتضان المعمول به، وتحرص في الوقت نفسه على تطويره تدريجيا، كي يرقى إلى مستوى النماذج البيداغوجية (بيداغوجيا التعلم) التي تجعل المتعلم فاعلا حقيقيا، وتستحضر حاجياته ووسائل تعلمه، وتأخذ بعين الاعتبار منطقه وتراعي خطواته التعلمية.

لماذا بيداغوجيا الإدماج، وما هي أسباب النزول ؟
إذا كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد راهن على تجديد بيداغوجي قائم على المقاربة بالكفايات، فإن الاعتبارات الموضوعية الداعية إلى تبني بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي لأجرأة المقاربة بالكفايات، تتحدد في مجموعة من الاختلالات، من أهمها:
كلنا نعلم أنه مع مطلع الألفية الجديدة تبنى نظامنا التربوي المغربي المقاربة بالكفايات، إلا أن ذلك لم يرافقه تصور منهجي واضح من خلال دفتر تحملات منهجي ينطلق من تصورات الكتاب الأبيض، و يرسم الملامح العريضة لكيفية الأجرأة والتنفيذ، مما أفرز صعوبات تطبيقية تجلت في عدم قدرة الفاعلين التربويين من أساتذة ومفتشين بصفة خاصة على رسم ملامح منهجية واضحة للاشتغال بالكفايات انطلاقا من جذاذات الدروس اليومية، وصولا إلى التقويم والدعم. غياب الضبط المنهجي هذا فسح المجال أمام الاجتهادات الفردية التي رغم كل الجهود بقيت مبهمة ومعزولة في الزمان والمكان، ولم ترق إلى مستوى التلمس الفعلي لطريقة عملية واضحة لأجرأة التصور النظري الموجود في مقدمات الكتب المدرسية. وقد بات واضحا أن البرامج الدراسية تبنت مقاربة جديدة  هي الكفايات لكنها احتفظت بالإجراءات المنهجية القديمة بكل أشكالها تقديما وتقويما ودعما، فكان  تقرير المجلس الأعلى الأول لسنة 2008 الذي أشار إلى أن برامجنا التعليمية تتبنى المقاربة بالكفايات نظريا ولكنها لم تتمكن من إيجاد آليات وصيغ لأجرأتها على مستوى الممارسة الفصلية وفي الكتب المدرسية.
أن المكتسبات التي يحصل عليها المتعلم داخل المدرسة المغربية لا تُتيح له الاندماج داخل محيط سوسيو اقتصادي يزداد تعقيدا، مما يترتب عن ذلك تكوين فرد معزول ذهنيا عن واقعه.
أن الفرق بين المتعلمين المتعثرين والنجباء من حيث التعلمات الأساس يزداد اتساعا.
أن هناك ارتفاعا في عدد المتسربين أو المنقطعين عن الدراسة.
شيوع "الأمية الوظيفية" في صفوف المتخرجين من المدرسة، حيث يعجزون عن توظيف تعلماتهم في الحياة العامة، أو المهنية.
تركيز المدرسة على المعارف المُجزأة والمهارات البسيطة، وعدم سعيها إلى جعل المتعلم يواجه وضعيات مركبة، شبيهة بما يمكن أن يصادفه في الحياة العامة.
ما هي مراحل تنفيذ مشروع تجريب بيداغويجا الإدماج؟
يندرج التدبير القاضي باستكمال إرساء المقاربة بالكفايات باعتماد بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي ضمن المشروع E1.P8 من البرنامج الاستعجالي الخاص بتجديد النموذج البيداغوجي. ويتم تنفيذ مخطط إرساء بيداغوجيا الإدماج بسلكي التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي الإعدادي على أربع مراحل وفق مقاربة تدريجية:
1. مرحلة للتجريب المحدود، أُنجزت خلال الموسم الدراسي 2009/2008بتسع )9( مؤسسات للتعليم الابتدائي بكل من الأكاديميتين الجهويتين للتربية والتكوين لجهتي مكناس تافيلالت والشاوية ورديغة.
2. مرحلة للتجريب الموسع أنجزت خلال الموسم الدراسي 2010/2009، حيث تم تعميم بيداغوجيا الإدماج في كل مؤسسات التعليم الابتدائي بالأكاديميتين المذكورتين وأكاديمية وادي الذهب لكويرة  ، وكذا تجريبها بتسع )9( مؤسسات للتعليم الابتدائي بكل واحدة من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الثلاث عشرة (13) المتبقية. أما فيما يتعلق بالتعليم الثانوي الإعدادي، فقد شمل التجريب،خلالالموسم الدراسي  نفسه، ست )6( ثانويات إعدادية بكل من أكاديميتي مكناس تافيلالت والشاوية ورديغة.
3. مرحلة للتعميم بالابتدائي تنجزخلال الموسم الدراسي الحالي 2011/2010 ويتم في إطارهاتعميم ببيداغوجيا الإدماج على مستوى مؤسسات التعليم الابتدائي بمجموع التراب الوطني. أما فيما يتعلق بالتعليم الثانوي الإعدادي، فسيتم تعميم بيداغوجيا الإدماج على جميع مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي بأكاديميات مكناس تافيلالت والشاوية ورديغة وواد الذهب لكويرة و كذا تجريبها بست )6( ثانويات إعدادية بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الثلاث عشرةالمتبقية.
4. مرحلة التعميم بالثانوي الإعدادي تُنجز خلال الموسم الدراسي2012/2011 ويتم خلالها تعميم إرساء بيداغوجيا الإدماج على مستوى جميع مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي بمجموع التراب الوطني.
ما القيمة المضافة التي تقدمها بيداغوجيا الإدماج؟
تستحضر بيداغوجيا الإدماج الاختلالات المذكورة، وتعمل على تجاوزها من خلال تطوير جودة التعلم، وجعل التعلمات تكتسي دلالة، وتمكين المتعلمين من التحكم في الكفايات، عن طريق تدريبهم على التعامل مع المركب، وذلك بتعبئة مكتسباتهم بشكل يضمن لها الاندماج و التمفصل (تعلم الإدماج خلال أسابيع الإدماج). ويقتضي الإدماج إرساء مجموعة من التعلمات الجزئية أو الموارد (معارف أو مهارات أو مواقف)، بدونها لا يقوى المتعلم على حل الوضعية المركبة، ولا تتحقق كفايته. وتجدر الإشارة إلى أن النشاط الإدماجي غير محصور بالضرورة في الأسابيع المذكورة، إذ يمكن أن يُستغل في كل زمن تعلمي، بتقديم أنشطة توليفية أو تركيبية...تماشيا مع مبدأ التدرج التربوي.
بم تتميز الوضعية الإدماجية؟
تتميز الوضعية الإدماجية عن مجموعة من المفاهيم كالتمارين والمسائل، والوضعيات الديداكتيكية بكونها الأداة المناسبة لتطبيق الكفاية، أو تقويم درجة نمائها. فهي مجموعة من المعلومات أو البيانات مُقدمة ضمن سياق معين تستدعي من المتعلم إقامة تمفصل بينها، لإنجاز مهمة معينة؛ وتتميز بمجوعة من الخصائص من أهمها: أنها تتصل بالكفاية المستهدفة، وتمنح التعلمات دلالة، لكونها تُحفز المتعلم على تعبئة مختلف مكتسباته، وترتبط بواقعه، واهتماماته، وتُقترن بمادة دراسية معينة...
ما هو أثر بيداغوجيا الإدماج في المنظومة التربوية؟
هناك دينامية خلقتها هذه البيداغوجيا تجلت في أنشطة تكوينية مكثفة استهدفت كل الفاعلين التربويين من مختلف مواقعهم. وهناك إجابات واضحة حملتها بيداغوجيا الإدماج لبعض الإشكالات التي كانت حتى وقت قريب تعتبر من الأمور المستعصية الحل، حيث قدمت هذه البيداغوجيا باعتبارها سيرورة منهجية، عدة سيناريوهات لتحسين التحصيل الدراسي وإنماء الكفايات لدى التلميذ و التعامل مع الأقسام المشتركة، كما وضعت خططا للتقويم والمعالجة المبكرة والبعدية تستدعي التقويم المعياري بواسطة معايير محددة وواضحة ومتفق عليها. يضاف إلى ذلك حركية كبرى على مستوى التأليف الجهوي للعدة البيداغوجية، حيث تم تشكيل فرق جهوية خاصة بالوضعيات ذات الخصوصيات الجهوية والمحلية، والتي تستشرف الواقع المحلي للمتعلم لإضفاء السياقية والدلالة على التعلمات، وأخرى خاصة بالأقسام المشتركة لمعالجة المشاكل التي تطرحها الممارسات المنهجية الخاصة بها وثالثة للتخطيط التربوي والتقويم.
أما الآباء والأسر والفاعلون الاجتماعيون فإن أغلبهم عبروا عن ارتياحهم لهذه البيداغوجيا للأسباب التالية:
تحسين التحصيل الدراسي من خلال دعم السياقية والملائمة والدلالة في التعلمات؛
تأمين الزمن المدرسي للتلميذ،لأنه لا يمكن مع هذه البيداغوجيا ضياع بعض الدروس لأنها موضع تعاقد مع الكفاية خلال فترة الإدماج، ولا يمكن للمتعلم إنجاز الوضعية الإدماجية إلا إذا كان قد تحكم في موارد المرحلة السابقة.
تبني خطط دقيقة وعلمية لتطوير منتوجات التلاميذ بالمعالجة المركزة التي تنطلق من نتائج التشخيص المبكر لمكامن الاختلالات في تعلماتهم، وتضع خططا استباقية للمعالجة.

تقويم التعلمات وفق بيداغوجيا الإدماج




1.المبادئ الموجهة لنظام التقويم التربوي في إطار بيداغوجيا الإدماج
تتحد مبادئ نظام التقويم التربوي وفق بيداغوجيا الإدماج بناء على التوجهات الكبرى للميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي فيما يلي:
  • يشهد ويثمن، لا أن يعاقب أو ينتقي؛
  • يشيع ثقافة النجاح ويدعمها؛
  • يصاحب المتعلمات والمتعلمين الذين يواجهون صعوبات، بمعالجة تعثراتهم بشكل منتظم وفعال وملائم؛
  • يدافع عن استقلالية المتعلم (ة) ويعلمه تحمل المسؤولية، مع الحرص على  تكافئ الفرص والإنصاف؛
  • نظرا لأهمية منظومة التقويم في إنماء كفاية المتعلمين، فقد ميزت بيداغوجيا الإدماج بين صنفين من التقويم: الأول يروم تقويم الموارد، سواء أكانت معارف أم مهارات لتحديد مستوى تحكمهم في الموارد، وعادة ما تُعتمد لهذا الغرض تمارين بسيطة. و النوع الثاني، يستهدف تقويم كفاية المتعلم، وتصبح الحاجة ملحة إلى اعتماد وضعية من نفس فئة الوضعيات التي نريد تقويمها؛
  • يعطي للتقويم التكويني مكانة متميزة، ويهيئ لهذه الغاية الآليات الملائمة، ويخصص فترة محددة في بداية السنة الدراسية للتقويم التشخيصي/التوجيهي، ولهذه الأسباب تُهيأ عدة علاجية خاصة تسمح بعد تشخيص دقيق للأخطاء، وفهم أسبابها، وتفييئ المتعلمين باقتراح وسائل كفيلة بتحسين التعلمات، وتجاوز التعثرات. وبهذا يتحقق الإنصاف.
  • يراعي طموحات وحاجات المتعلمات والمتعلمين، وحاجات المجتمع، مع تشجيعهم على اكتساب الكفايات؛
يتميز التقويم في هذا الإطار بكونه معياريا، حيث يرد الحديث عن ثلاثة معايير أساسية، تُساعد على الإقرار بمدى تحكم المتعلم في الكفاية، وهي:
- الملاءمة (تطابق الإنتاج مع المطلوب)،
- الاستعمال السليم لموارد المادة الدراسية،
- الانسجام (الاختيار المناسب لأدوات المادة، واستعمالها بكيفية منطقية)،
 وهناك بالمقابل معيار آخر يُعرف بالإتقان، يتيح ترتيب المتعلمين.
2. تنظيم التقويم التربوي
تتوزع السنة الدراسية إلى أربعة مراحل تتكون كل مرحلة من فترات تخصص لتعلم الموارد وتقويمها ومعالجتها تتلوها فترات لتعلم الإدماج وتقويمه ومعالجته.
و يتم التقويم التربوي بسلك التعليم الابتدائي عبر:
  • تقويم تشخيصي للتعلمات في بداية السنة الدراسية؛
  • فروض المراقبة المستمرة في جميع المستويات الدراسية التي تشمل تقويما تكوينيا  وتقويما جزائيا للموارد في المراحل الأربع  وتقويما  تكوينيا في المرحلتين 1 و2 وتقويما تكوينيا وجزائيا في المرحلتين 3 و4 بالنسبة للكفايات؛
  • الفروض الموحدة على مستوى المؤسسة عند نهاية السنة الدراسية بمستويات السنة الثانية والسنة الرابعة تشمل تقويم كفايات المتعلمين في مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية والرياضيات،  ويضاف تقويم كفايات اللغة الفرنسية في نهاية السنة الرابعة؛
  • الامتحان الموحد المحلي عند نهاية المرحلة الثانية (الأسدوس الأول)  بمستوى السنة السادسة يشمل تقويم الموارد فقط لجميع المواد الدراسية؛
  • الامتحان الموحد الإقليمي عند نهاية السنة الدراسية ( الأسدوس الثاني)  بمستوى السنة السادسة  يتضمن تقويم الكفايات في مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية واللغة الفرنسية والرياضيات.
وتلخص أنماط التقويم وفتراته في الخطاطة التالية:



 

3. تصنيف الكفايات
هناك صنفين من الكفايات تشكل موضوع التقويم:
  • الكفايات من صنف (أ)، وهي الكفايات التي يعتبر التحكم فيها  ضروري لمتابعة الدراسة، وحددت في كفايات المواد الدراسية الأداتية وهي:
      • اللغة العربية (شفهي)، اللغة العربية (كتابي)؛
      • اللغة الفرنسية (شفهي)، اللغة الفرنسية (كتابي)؛
      • الرياضيات (حساب وأعداد)، الرياضيات (هندسة وقياس).
  • الكفايات من صنف (ب)، وهي باقي الكفايات المحددة في المنهاج الدراسي.
4. تقويم الموارد والكفايات
  • تقوم الموارد وفق النظام المعمول به طبقا لتوجيهات المذكرات المنظمة للمراقبة المستمرة؛
  • تقوم الكفاية عبر حل وضعية إدماجية حيث يتم تصحيح إنتاج المتعلم (ة) باعتماد ثلاثة معايير من معايير الحد الأدنى هي:
    • معيار الملاءمة؛
    • معيار الاستعمال السليم لأدوات المادة؛
    • معيار الانسجام، بالنسبة للمستويين الخامس والسادس؛
    • معيار رابع وهو معيار الإتقان.
  • فإذا كنا في إطار التقويم التوجيهي أو التكويني، نلجأ إلى تقدير درجة التحكم في كل معيار وذلك من أجل المعالجة، أما إذا كنا في إطار تقويم إشهادي فلا بد من تقدير إنجاز المتعلم(ة) بمنح نقطة عددية. ويتم الاستعانة بشبكات للتصحيح تتضمن المعايير والمؤشرات  وسلم التنقيط.
  • يعتبر المتعلم(ة) متحكما في الكفاية إذا حقق التحكم ( في معيارين من معايير الحد الأدنى على الأقل،  مع تحكُّم جزئي (3/1)على الأقل في المعيار الثالث. وفي هذه الحالة تكون النقطة الممنوحة تساوي مجموع نقط معايير الحد الأدنى ونقطة معيار الإتقان زائد نقطة إضافية لتحكمه في الكفاية.
  • عند احتساب المعدل السنوي، تعتمد الأوزان التالية بالنسبة لتقويم الموارد والكفايات:

المستوى
الموارد
الكفايات
الأول والثاني
60%
40%
الثالث والرابع
50%
50%
الخامس والسادس
40%
60%

5.اتخاذ قرار النجاح والانتقال

زيادة على اتخاذ قرار النجاح، يمكن التقويم وفق المقاربة بالكفايات من تحديد ملمح النجاح بالنسبة للمتعلمات والمتعلمين. وتحدد المذكرة الوزارية رقم 204 الصادرة في 29 دجنبر 2010 كيفية تحديد هذا الملمح ويمكن تلخيصها في ما يلي:

ملمح النجاح
الشرط
أ-1
التحكم في جميع الكفايات من صنف (أ)  في نهاية السنة الدراسية
أ-2
الحصول على المعدل المطلوب في تقويم جميع كفايات المرحلتين الثالثة والرابعة من الصنفين "أ" و "ب" وفي كفايات الفرض الموحد المحلي (بالنسبة للمستويات الزوجية غير النهائية) وفي كفايات الامتحان الموحد الإقليمي (بالنسبة للمستوى السادس)
ب-1
الحصول على المعدل المطلوب في مجموع نقط المراقبة المستمرة في تقويم الموارد خلال المرحلتين الثالثة والرابعة وفي الامتحان الموحد المحلي (بالنسبة للمستوى السادس) وفي تقويم جميع كفايات هاتين المرحلتين من الصنفين "أ" و "ب" وفي كفايات الفرض الموحد المحلي (بالنسبة للمستويات الزوجية غير النهائية) وفي كفايات الامتحان الموحد الإقليمي الإقليمي (بالنسبة للمستوى السادس)
ب-2
الحصول على المعدل المطلوب في مجموع نقط المراقبة المستمرة في تقويم الموارد طيلة السنة الدراسية وفي الامتحان الموحد المحلي (بالنسبة للمستوى السادس)  وفي تقويم جميع كفايات المرحلتين الثالثة والرابعة من الصنفين "أ" و "ب" وفي كفايات الفرض الموحد المحلي (بالنسبة للمستويات الزوجية غير النهائية) وفي كفايات الامتحان الموحد الإقليمي (بالنسبة للمستوى السادس)

مذكرات صدرت حول إرساء بيداغوجيا الإدماج



  • أصدرت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، في إطار مشروع البرنامج الاستعجالي  E1P8 القاضي بتجديد النموذج البيداغوجي، مذكرة وزارية تحت رقم 174 بتاريخ  8 نونبر 2010 ، في شأن اعتماد بيداغوجية الإدماج كإطار منهجي لإرساء المقاربة بالكفايات. وحددت المذكرة العمليات المتعلقة بسلك التعليم الابتدائي لإرساء بيداغوجية الإدماج في استكمال تكوين الفاعلين التربويين، وتوزيع عدة بيداغوجية الإدماج على المعنيين بالأمر وتنظيم أسابيع الإدماج والتتبع والتكوين.  وفيما يتعلق بالتعليم الثانوي الإعدادي، حددت المذكرة التدابير الواجب اعتمادها في مجال التحسيس والتواصل حول عملية تجريب هذه البيداغوجيا، وتكوين الأساتذة المعلمين بمؤسسات التجريب ومواصلة تكوين مفتشي التعليم الثانوي ومكوني المراكز التربوية

  • تحت رقم 204، أصدرت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، مذكرة وزارية بتاريخ 29 ديسمبر2010في شأن التقويم والامتحانات بالتعليم الإبتدائي. وبموجب هذه المذكرة، وبناء على مقتضيات المذكرة رقم 174 السالفة الذكر، تقرر إدخال بعض التعديلات على نظام التقويم والامتحان المعتمدة في مستويات التعليم الابتدائي وعلى الامتحان الإقليمي الموحد لنيل شهادة الدروس الابتدائية.  وستهم التعديلات جوانب التكييف مع أنماط التقويم في مختلف مستويات التعليم الابتدائي ومعايير الإشهاد عند نهاية هذا السلك. كما ستشمل أساليب وصيغ إخبار التلاميذ وأسرهم حول حالة التحصيل من أجل توجيه أنجع لمجهودات تحسين التعلمات.
لتتمة الموضوع
http://www.4shared.com/document/dEr_06eJ/__online.html


شروط انجاح بيداغوجية الادماج 
الكل يعرف أن الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين أطلقت مبادرة البرنامج الاستعجالي لتجاوز بعض الاختلالات والإخفاقات التي لم تنجح تدخلات واقتراحات الميثاق الوطني للتربية والتكوين في تجاوزها بعد. و لإعطاء نفس جديد لإصلاح نظام التربية والتكوين وتسريعه، وتجاوز الاختلالات المسجلة وخصوصا من طرف المجلس الأعلى للتعليم في تقريره الأول لسنة 2008،أطلقت الوزارة مبادرة المخطط الاستعجالي(2009-2012)،لإنجاز 27 مشروعا ينتظم في أربعة مجالات للتدخل كما هو معروف. ومن هذه المشاريع، المكون الأول للمشروع الثامن المتضمن في المجال الأول،والخاص بتطوير العدة البيداغوجية ، من خلال استكمال إرساء المقاربة بالكفايات ، وتوفير إطار منهجي لأجراة هذه المقاربة البيداغوجية بشكل واضح ومتفق عليه من خلال توحيد المرجعية والنموذج البيداغوجي المعتمد. تبعا لذلك تم اختيار مقاربة بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي لأجراة وتطبيق بيداغوجيا الكفايات، وذلك بتأطير وهندسة صاحبها كزافيي روجرس،حيث ا انطلقت اوراش التجريب لهذه المقاربة ، ثم تكوين الأطر التعليمة لتمثل هذه المقاربة والاستعداد لتطبيقها.وبالفعل انطلق العمل بهذه المقاربة.لكن،لم يتم حسب علمنا تعميم التقويم الأولي لتجريب بيداغوجيا الإدماج،لمعرفة نقط قوتها وضعفها لاستثمار ذلك من طرف الفاعلين المعنيين أثناء التطبيق الفعلي لهذه المقاربة!ولم يفتح في شانها نقاش وتقييم وطنيين وخاصة من طرف الممارسين المباشرين الذين يمتلكون حسا ميدانيا يمكنه أن يساهم بفعالية كبيرة في بلورة الصياغة النهائية لإنزال وتفريغ وتطبيق بيداغوجيا الإدماج حسب الخصوصيات المغربية.
صحيح أن معالجة أعطاب وأوجه الخلل في آلة نظام التربية والتكوين والرفع من فعاليتها ونجاعتها ، يقتضي بشكل أساسي استهداف المنهاج التربوي،من حيث هندسته التنظيمية والتدبيرية،ونماذجه وطرقه ومقارباته البيداغوجية...لكن في رأينا فإن مجرد اعتماد نموذج أو مقاربة جديدة(وغالبا بطريقة النقل الميكانيكي/الحرفي) غير كاف بحد ذاته لتحقيق فعالية وجودة ومردودية أحسن (مدرسة النجاح)،لأن النموذج البيداغوجي هو متغير/عنصر واحد من بين متغيرات وعناصر أخرى تشكل نظام التربية والتكوين،كنظام ترتبط متغيراته/عناصره من خلال علاقات بنيوية ووظيفية ،تتفاعل ويؤثر بعضها في البعض الآخر،ولكل عنصر/متغير فعاليته الخاصة، وآثاره السلبية أو الإيجابية في إنجاح النظام ككل، وتحقيق أهدافه المؤملة والمنتظرة.بمعنى أن نجاح مقاربة بيداغوجيا الإدماج(التي تهمنا هنا) وتحقيق أهدافها الايجابية التي راهن عليها صناع القرار التربوي،يجب أن نوفر لها شروط أخرى وظروف موضوعية ، لها علاقة بنيوية ووظيفية لضمان فعاليتها ونجاحها...حيث يمكن أن تتراوح هذه الشروط بين البيداغوجية والمهنية والتجهيزية والخدماتية ، نذكر منها:
1-بيداغوجيا:
من الناحية البيداغوجية يمكن تسجيل بعض الملاحظات الأولية على التطبيق المغربي الحالي لبيداغوجيا الادماج،والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
- إذا كان من بين أهداف تطبيق بيداغوجيا الإدماج ،كما يصرح بذلك كزافيي روجرس،هو تحقيق الإنصاف والموضوعية في تقييم تعلمات المتعلمين(وخصوصا التقييم الاشهادي)،وذلك من خلال إعطاء للمتعلم على الأقل ثلاث فرص(قاعدة 3/4) أو فرصتين(قاعدة 2/3) للتأكد من تحكمه في الكفاية أي، وضع المتعلم في ثلاث وضعيات أو وضعيتين مركبة تعكس الكفاية الأساس،وذلك تحقيقا للإنصاف والموضوعية كما قلنا،ولحق المتعلم/ة في الخطأ كما هو الشأن لباقي الممارسين والخبراء الذين يمكن لهم كذلك أن يقترفوا أخطاء رغم كفاءتهم وخبرتهم.
غير أنه من الملاحظ ، حسب التنزيل المغربي لمقاربة الإدماج ، خصوصا في الشق المتعلق بالتقييم ، يجد المتعلم نفسه أمام ثلاث تعليمات وليس ثلاث وضعيات تقييمة مركبة تعكس الكفاية المستهدفة ؟! أي يجد نفسه فقط أمام وضعية تقييمة مركبة واحدة(فرصة واحدة)!ونقيم كل تعليمة من خلال ثلاث معايير(الملائمة ، الانسجام ، الاستخدام السليم لأدوات المادة)،بالإضافة إلى معيار الإتقان . أولا من الناحية المفاهيمية ، حسب الجهاز المفاهيمي لبيداغوجيا الإدماج كما هو عند روجرس،هناك خلط أو ضبابية مفاهمية تخص مفهوم المعيار والتعليمة:إننا نقيم الكفاية(وليس التعليمة) من خلال معايير معينة،والمعايير يتم أجراتها من خلال مؤشرات كمية أو نوعية ، والمؤشرات يتم تدقيقها من خلال تعليمات(مُوجهة).
كما يبقى الأهم معلقا وغير واضح:وهو كيف نقيم التركيب أساس الإدماج؟وكيف نصوغ معيارا للتحقق من الإدماج/التركيب؟ ذلك إن المعايير المعتمدة لتقييم الكفاية هي:الملاءمة،الانسجام،التطبيق السليم للموارد(معايير الحد الأدنى)،بالإضافة إلى معيار الإتقان.ألا يجدر تخصيص معيار مستقل للتركيب؟
- كما أنه من الناحية النمائية السيكو- ذهنية،هناك فرضية/تساؤل يخص مدى نجاعة إخضاع كل المستويات التعليمية للتقييم انطلاقا من الوضعيات المركبة؛حيث أن التركيب الذي يجب أن يقوم به كل المتعلمين،ينتمي(التركيب) إلى العمليات الذهنية/العقلية العليا(خصوصا حسب صنافة بلوم)،وهذه العملية العقلية المجردة والعليا تتطلب عمليات ذهنية أخرى معقدة( إدراك وفهم،استنباط،ربط،انتقاء،استنتاج....).وبما أن معظم المتعلمين في هذه المراحل التعليمية، حسب المعطيات النمائية الذهنية لبياجي ،يوجد في مرحلة الذكاء المشخص(من 6/7سنوات إلى 11/12 سنة)،بل كل مستوى قد ينتمي إلى معطيات نمائية ذهنية خاصة(6/7 سنوات مرحلة الذكاء ماقبل عملياتي،من 7إلى 11/12 مرحلة الذكاء العملياتي الحسي،11/12 سنة ومافوق مرحلة الذكاء العملياتي الصوري).من خلال هذه المعطيات النمائية،فهل يجوز تقييم كل المستويات الدراسية(وخصوصا الصغرى) من خلال وضعيات مركبة،والتي تبنى من خلال معطيات رمزية مجردة لغوية أو أيقونية؟أي أن المتعلم مطالب باستخدام عمليات ذهنية عليا ومعقدة (منها التركيب) من خلال معطيات رمزية ومجردة قد تفوق قدراته النمائية الذهنية؟
فهل بيداغوجيا الإدماج أخذت بعين الاعتبار هذه المعطيات النمائية خصوصا في تطبيقاتها بالمدرسة الابتدائية؟ذلك أن التركيب كعملية عقلية عليا لا يكتمل نماؤه إلا خلال المرحلة النمائية الأخيرة(مرحلة الذكاء العملياتي الصوري/المجرد،حولي 11/12 سنة وما فوق).
الكل يعرف أن المتعلمين يجدون صعوبات كبيرة فقط في تذكر الموارد(استعمال قدرة عقلية دنيا حسب تصنيف بلوم)، والنتائج السلبية شاهدة على ذلك ، فما بالك أن المتعلم سيجد نفسه أمام مهمة مزدوجة ومعقدة : تذكر الموارد وتركيبها لحل وضعية معينة؟!أم هل سيتم تكييف متعلمينا مع تعلم التركيب والتعقيد،وبالتالي إكسابه القدرات العقلية العليا بالتدريج،وبالتالي تسريع عمليات اكتسابها رغم القوانين النمائية الاعتيادية؟
نظن أن طريقة بناء وضعيات التقييم الحالية ستسفر عن نتائج كارثية،إذا لم تراع طبيعة المرحلة النمائية والدراسية للمتعلمين،وإذا لم تراع الخصوصيات السوسيو ثقافية للمستهدفين(متعلمي التعليم العمومي،أغلبهم من فقراء الوسط الحضري والقروي) حيث يتميزون بالهشاشة المعرفية والذهنية(سيادة العمليات العقلية الدنيا)،وكذلك إذا لم تبن الوضعيات التقييمية بكيفية متدرجة: تقييم الموارد(وزن2/3) ثم تقييم الكفاية(وزن1/3)،وكذلك مراعاة التدرج من البسيط الى المعقد في بناء الوضعيات التقييمة،وإعطاء أكثر من فرصة للمتعلمين:وضعيتان بسيطتان،ثم وضعية معقدة.
- التنظيم البيداغوجي للتعلمات:التنظيم البيداغوجي المغربي الحالي للتعلمات اختار:6أسابيع لتعلم الموارد،و أسبوعين لتعلم الإدماج وتقييم ومعالجة الكفاية ، وذلك في كل مرحلة من المراحل الأربع المخصصة في السنة الدراسية(34 أسبوعا)؛هنا يجد المتعلم نفسه فقط أمام ثلاث فرص على الأقل لتعلم الإدماج، و3 فرص على الأقل لدعم ومعالجة تعثرات تعلماته .فهل هذا كاف لتعلم الإدماج المستهدف الأساسي من عملية التقييم؟

لما مثلا لم يتم اختيار التنظيم البيداغوجي التدريجي للتعلمات،والذي اقترحه كذلك روجرس ووصفه بالغني: ثلاثة أسابيع لتعلم الموارد،ثم أسبوع الدمج الجزئي...

حيث سنتيح للمتعلم أكثر من 12 فرصة في السنة لتعلم الإدماج(8 جزئية،و3او4 كلية)،وأكثر من 12 فرصة في السنة لدعم ومعالجة تعثرات تعلماته.

الظاهر ان اعتماد التنظيم البيداغوجي الحالي(6 موارد 2 إدماج) يبرره فقط مطابقته للتنظيم البيداغوجي للبرنامج السنوي المعتمد.في حين المطلوب تغيير المنهاج برمته (برامج ، ومواد دراسية ، وكتب مدرسية ، وتنظيم بيداغوجي للسنة ، والايقاعات والأغلفة الزمنية.....) ليلائم بناء المنهاج المتمحور على الكفايات والإدماج وعلى الفعالية الذاتية للمتعلم/ة، عوض المحتويات والمواد التي يتمركز حولها المنهاج الحالي رغم تصريحه باعتماد مقاربة الكفايات سابقا.وما كثرة وتضخم المواد وثقل المحتويات وكثرة الكتب إلا مؤشر دال وكاف عن ذلك.

- كما تجدر الإشارة إلى مسألة التكوين التي خضع لها المدرسون لتمثل بيداغوجيا الادماج ، إذ سجل الكثير من المتتبعين والمعنيين بالتكوين عدم كفاية الزمن المخصص(حولي 5 أيام)،وكذلك ضعف الفعالية الديداكتيكة لدى بعض المكونين ، بالإضافة إلى فقر الوسائل الديداكتيكة المعتمدة لذلك . مما يتطلب تكوينا وتتبعا مستمرا للمدرسين للتمثل والتطبيق الجيد لمقاربة بيداغوجيا الإدماج ، وهذا هو الغائب الأكبر مع بداية التطبيق الرسمي لهذه المقاربة ؛ حيث يتخبط أغلب المدرسين في كيفية تطبيق المقاربة في إعداد وثائق التنظيم البيداغوجي للسنة ، وفي كيفية إجراء أسبوعي الإدماج، وفي كيفية البناء الديداكتيكي للتعلمات ،وفي كيفية ملء نقط المراقبة (هل ستكون شهرية أم مرحلية...؟)....

2- ظروف العمل داخل القسم: رغم دخول المغرب التربوي في السنة الثانية من تطبيق البرنامج الاستعجالي، ورصد الملايير من الدراهم (حوالي 50 مليار درهم ) الملاحظ أن ظروف العمل البيداغوجية والديداكتيكية لازالت كما كانت عليه من سلبيات:فقر التجهيزات الديداكتيكية الحديثة والضرورية،الاكتظاظ ، الأقسام المشتركة ، كثرة المواد وعدم كفاية الأغلفة الزمنية للمواد الأساسية...وهذه معطيات لا تساعد على الفعالية البيداغوجية ، وعلى تطبيق البيداغوجيات الحديثة المتمركزة على التعلم الذاتي والفارقية والتمكن والدعم والعلاج...، وعلى تطبيق أشكال العمل الديداكتيكي الفردي والجماعي،ناهيك عن معاناة المدرس/ة مع غياب وسائل العمل الديداكتيكي الضرورية والحديثة المساعدة على الرفع من المردودية والفعالية،وعلى اقتصاد الجهد والزمن.لازالت أغلب فصولنا تعتمد على الثنائي التقليدي سبورة/طبشورة،اللهم الاهتمام التمييزي والنسبي بمستويات»جيل النجاح» الأول والثاني ابتدائي،وكأن الباقي من مستويات هي»جيل الفشل»؟!

3- التجهيزات والخدمات المدرسية:رغم المجهودات المبذولة مؤخرا من أجل تحسين العرض التربوي ، إلا أن جل الخدمات والتجهيزات لمدارسنا لازالت تراوح مكانها كما ونوعا،خصوصا تلك التي تهم التفتح الذاتي للمتعلم ودعم قدراته ومهارته وتوجهاته المكونة لشخصية متكاملة ومتزنة في أبعادها النفسية والمعرفية والجسدية والاجتماعية والثقافية...:قلة المكتبات المدرسية ، شبه غياب للملاعب والتجهيزات الرياضية ، غياب قاعات للأنشطة الفنية والثقافية والترفيهية والأندية ، شبه غياب للرحلات والخرجات الثقافية والعلمية...ناهيك عن شبه غياب للمرافق والخدمات الصحية (صيدلية مدرسية ، مراحيض ، دوش...) ، وقلة الربط بشبكة الماء والكهرباء.إن شبه غياب تلك التجهيزات والخدمات المدرسية المشار إليها تؤثر سلبا على الفعالية الذاتية للمتعلم ، وعلى الدور التكميلي الذي يمكن أن تلعبه كذلك في الرفع من فعالية التعلمات،والمردودية المدرسية بشكل عام.

4-الظروف المهنية والاجتماعية للمدرسين

الكل يعرف (إلا من يريد تجاهل ذلك) الدور المحوري الذي يلعبه المدرس/ة في إنجاح أي إصلاح ، وفي تحقيق الفعالية والمردودية المؤملة للنظام التعليمي. فمهما جوَدنا وغيرنا الهندسة البيبداغوجية ، من مقاربات بيداغوجية وغيرها ، فإن عمت وسط المدرسن أجواء عدم الرضى المهني والتوتر وعدم الاستقرار، وغياب الحماس والإيمان بالإصلاح والانخراط الإرادي والتلقائي فيه ، فإن اعتماد مقاربة بيداغوجيا الإدماج لن تحقق الأهداف المتوخاة منها ؛ ذلك فإن العملية التعليمة التعلمية يتدخل فيها النفسي والاجتماعي سواء بالنسبة للمتعلم او المدرس . لذلك وجب توفير الشروط المهنية والاجتماعية ، المادية والمعنوية، الايجابية (أجرة ، تحفيزات ،سكن ،نقل ،تقدير واحترام ، تكوين متين....) التي من شأنها أن تحفز المدرس/ة على العطاء والانخراط الإرادي في إنجاح الإصلاح.

وفي الأخير،نظن بأن جاح الإصلاح الجديد (المخطط الاستعجالي) ، والتطبيق الفعال لبيداغوجيا الإدماج ، رهين بتوفير عدة شروط مركبة ومتكاملة : بياغوجية مهنية ، تجهيزية ، خدماتية...ومحاولة تغيير و تكييف التطبيق الحالي لبيداغوجيا الإدماج مع خصوصيات المدرسة المغربية الحقيقية وليس المفترضة نظريا ، مع استحضارالملاحظات والنقد النظري والميداني لبعض الفاعلين المغاربة،أو تلك التي سجلها فاعلون ومتتبعون في الدول التي طبقت فيها مقاربة بيداغوجيا الإدماج ، وذلك قبل الإقدام النهائي على الصياغة و التطبيق الرسميين للمنهاج التربوي الجديد الذي يتمحور حول بيداغوجيا الإدماج.
محمد الصدوقي

باحث تربوي


11نونبر2010


الاتحاد الاشتراكي




تربوي تكويني. يتم التشغيل بواسطة Blogger.