أعلان الهيدر

الرئيسية حوار حول تجربة مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين..الواقع والآمال

حوار حول تجربة مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين..الواقع والآمال

 
حاوره سعيد الشقرونيhttp://www.tarbawiyat.net/news13394.html
 سؤال: نود في البداية، أن نشكركم على تلبية الدعوة لإجراء هذا الحوار المفيد للمهتمين بالمسألة التعليمية في بعدها الإداري والتربوي، خصوصا وأننا نعيش تجربة جديدة مع المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين التي أخذت على عاتقها احتضان مسلك الإدارة التربوية دون أن ننسى السياقات السابقة والآنية التي تحكم وتؤطر النقاش الدائر حول التجربة وحول الخريجين، ضمن نقاش عام واستراتيجي يصب في إطار الرغبة في النهوض بأوضاع المنظومة التربوية. لكن كما جرت العادة يطيب لنا أن نقرب محاورنا من القراء..محاوري العزيز: من هو محمد ناصيري؟
جواب: بداية أحييك أستاذي الكريم، ومن خلالكم أتوجه بتحية خاصة لهذا المنبر الإعلامي المتميز، الذي أتاح لي فرصة التواصل والتفاعل مع مختلف الفاعلين والمهتمين بالشأن التربوي عموما، وقضايا التدبير والإدارة التربوية خصوصا. وجوابا عن سؤالكم أقول: إن محدثكم من مواليد سنة 1977 بأحد قصور تافيلالت العالمة، حيث كانت النشأة الأولى، مترددا بين الكُتاب القرآني والمدرسة الابتدائية، ثم انتقلت إلى المرحلة الإعدادية، فالمرحلة الثانوية، التي توجت بالحصول على شهادة البكالوريا في الآداب العصرية.
بعد ذلك تم تدشين مسار جديد، وُضعت لبنته الأولى، بولوج مركز تكوين المعلمين بالرشيدية،   وقضاء سنتين تكوينيتين (تخصص مزدوج)، ثم الحصول على دبلوم التخرج، لينطلق المشوار المهني، بالتعيين باعتباري أستاذا للتعليم الابتدائي بالمديرية الإقليمية زاكورة، حيث قضيت ثلاث سنوات، انتقلت بعدها إلى المديرية الإقليمية الرشيدية، و تحديدا إلى المؤسسة التي ترعرعت فيها خلال المرحلة الإبتدائية.
    قضيت في مهمة التدريس بالقسم سبعة عشر سنة، و خلال الموسم الماضي (2015/2016) التحقت بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمكناس، مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية، حيث تلقيت سنة تكوينية في تدبير الإدارة التربوية، توجت بالتعيين كإطار إداري (الحراسة العامة للخارجية) بالثانوية الإعدادية أبو بكر الصديق بالمديرية الإقليمية الرشيدية، وهي المهمة التي اشتغل فيها إلى يومنا هذا.
  سؤال: أستاذ لو سألتك –وأنت من الفاعلين والمهتمين- عن رأيك في تجربة إنشاء مسلك الإدارة التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين؟
جواب: طبعا كما لا يخفى عليكم أستاذي الكريم، أن إنشاء مسلك لتكوين أطر الإدارة التربوية جاء في سياقات متعددة، من أبرزها تنفيذ بنود اتفاقية التعاون المشترك بين الحكومة المغربية والحكومة الكندية، في  إطار مشروع دعم تدبير المؤسسات التعليمية بالمغرب، و المعروف اختصارا بمشروع "PAGESM" الذي يهدف في بعض محاوره إلى اعتماد مقاربة جديدة في اختيار أطر الإدارة التربوية، تقوم على انتقاء أولي بناء على دراسة علمية لملفات المترشحين   والمترشحات، بالتركيز على الإشعاع داخل المؤسسة وخارجها، والقدرة على التواصل والإبداع، مع تملك مكتسبات عملية في مجال الإعلاميات والتدبير.
و من أبرز مستجدات هذا المشروع كذلك، تركيزه على ضرورة اعتماد مقاربة النوع في انتقاء أطر الإدارة التربوية، خصوصا وأن هذا المجال ظل لمدة طويلة، حكرا على رجال التعليم دون نسائه.
وجدير بالذكر أيضا أن المرسوم رقم: 2.11.672 الذي أُحْدِثَت بموجبه المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين تضمن من بين مسالكه التكوينية، مسلكا لتكوين أطر الإدارة التربوية،    هكذا انطلقت التجربة مع فوج أول ضم ما يناهز مئة (100( إطار متدرب، تم توزيعهم على أربعة مراكز خلال الموسم التكويني 2014/2015، ليتم الشروع في تعميم هذه التجربة خلال الموسم الماضي على أغلب المراكز الجهوية، مع فوج ثان ضم ما يقارب أربعمائة وعشرين إطارا متدربا (420)، وخلال الموسم الحالي ناهز العدد ألفا من الأطر المتدربة.
وفي مقابل التطور العددي الذي يعرفه إرساء هذا المسلك، تتجه الوزارة الوصية على القطاع إلى حصر التعيين في مهام الإدارة التربوية على خريجي هذا المسلك دون غيرهم، وبالتالي التوقف عن عملية الإسناد الجاري بها العمل سابقا، وفق القرار الوزاري رقم:583.07 بشأن تحديد كيفية وضع لوائح الأهلية لشغل مهام الإدارة التربوية.
بهذا المعنى يكون إحداث هذا المسلك ثمرة للجهود المبذولة من أجل تمكين الإدارة التربوية من أطر تم انتقائها بعناية، كما تم تمكينها من التفرغ التام، طيلة موسم دراسي، قصد الاستفادة من التكوين الأساس بنظام استيفاء المجزوءات، وفق مقاربة أندراغوجية تعتمد على مبدإ: عملي–نظري–عملي.
ويعد مطلب التفرغ للتكوين، أحد أبرز المطالب التي ظلت تستأثر باهتمام الإداريين الجدد الذين تم تعيينهم بالإسناد، نظرا للصعوبات التي تفرزها محاولة التوفيق بين متطلبات المهمة الجديدة داخل المؤسسة التعليمية، وإكراهات التنقل إلى المراكز الجهوية، لحضور الأسابيع التكوينية المبرمجة على مدار الموسم الدراسي لفائدة هذه الفئة، الشيء الذي يحول-عند البعض منهم- دون تحقيق التطلعات والأهداف المنشودة.
سؤال: وماذا عن رأيكم في طبيعة التكوين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين؟
جواب: معلوم أن هندسة التكوين في مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية، تبنى على شكل تعاقدات، تحدد مهام ومجالات وأدوار مختلف المتدخلين في العملية التكوينية، سواء خلال التكوين النظري داخل فضاءات المراكز الجهوية، أو خلال الممارسة الميدانية داخل المؤسسات المستقبلة: مؤسسات تعليمية (ابتدائي- إعدادي- تأهيلي)، مكاتب ومصالح المديرية الإقليمية، أقسام ومصالح الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين؛ تعاقدات يتم ترسيخها من خلال اللقاءات التواصلية ولقاءات الضبط والإعداد، قبل وبعد كل محطة تدريبية، علما أن دفتر التحملات      والدليل المرجعي والرزنامة السنوية للتكوين...تعتبر من أهم الأدوات المحددة لتلك التعاقدات.
وبالرجوع إلى التكوين النظري، فمن المعلوم أن النظام المعتمد فيه، هو نظام المجزوءات، حيث يشتمل التكوين على اثنا عشرة مجزوءة، تتوزع على أسدسين تكوينيين، بمعدل ست مجزوءات في كل أسدس، وتستغرق المجزوءة الواحدة ثلاثين ساعة تختتم بالتقويم الخاص باستيفاء المجزوءة، وفي حالة عدم الاستيفاء يتعين على الإطار الإداري المتدرب، إعادة التقويم في المجزوءة أو المجزوءات غير المستوفاة.
وبخصوص طبيعة المجزوءات ومضامينها، فهي تحاول أن تلامس حاجيات الإطار الإداري، وإنماء كفاياته التدبيرية، وضمان انتقاله السلس من مهمة التدريس، إلى مهمة الإدارة، بما يؤهله لحسن تدبير المؤسسة التعليمية، والإسهام في انفتاحها على محيطها، من خلال القطع مع التمثلات والأساليب التقليدية، القائمة على السلطوية والأحادية والجمود...واعتماد المقاربات الحديثة في التدبير: (المقاربة الحقوقية، مقاربة النوع، المقاربة التشاركية...) وَفْقَ رؤية موحدة تعتمد التخطيط والتحفيز والعمل بالفريق، وتنشد الجودة الشاملة والحكامة الإدارية، بما يمكن هذا الإطار الإداري عند نهاية التكوين، من تملك آليات قيادة التغيير على صعيد المؤسسة التعليمية،  وهو ما يعتبر بمثابة اللبنة الأولى لبناء التخطيط التصاعدي لمنظومة التربية والتكوين.
وجدير بالذكر أن هذه المجزوءات تغطي بمضامينها مختلف أنواع التدبير: (التدبير الإداري، التدبير التربوي والبيداغوجي، التدبير المادي والمالي،التدبير الاجتماعي...)، كما تلامس الجوانب النفسية في بناء الشخصية القيادية للمدبر الناجح، إضافة إلى الجانب التشريعي والقانوني، مع استحضار أنظمة الحكامة والجودة و التطوير المعتمدة في تدبير المقاولات، ومحاولة استلهامها في النظام التعليمي، كما تحظى الحياة المدرسية بمختلف مكوناتها وتفعيل أدوارها في إطار مشروع المؤسسة بأهمية خاصة، فضلا عن التوثيق والأرشفة، كآليتين لضمان الحقوق وصون الذاكرة المدرسية.
وفي اعتقادي أن أهمية كل مجزوءة تكتسيها من المنهجية التي يعتمدها كل إطار مكون في تمرير مضامينها ومحاورها، إضافة إلى التعاقدات التي ينشؤها منذ البداية مع الأطر الإدارية المتدربة، ويمكن القول إن البناء التشاركي للمجزوءات، من خلال مناقشة أهدافها ومحاورها     ومحتوياتها وصيغ تقويمها، ثم الانخراط الفعال في إعداد العروض والبحوث ودراسة الوضعيات الخاصة بها، ساهم بشكل كبير في خلق مناخ تكويني ملائم، يحفز على البحث والتواصل والتكوين الذاتي، كما يشجع على الإبداع والتقاسم والرغبة في استثمار الزمن التكويني، الشيء الذي أثمر انتاجات وأعمال متميزة، جمعت بين المعارف النظرية وخلاصات الممارسة الميدانية، وهو ما سيكون له بالتأكيد، وقع إيجابي على التجربة المهنية الجديدة، كما سيسهم في تطوير إرساء هذا المسلك بالمراكز الجهوية.
التكوين إذا كما ذكرت سلفا يعتمد مقاربة أندراغوجية تقوم على المبدإ: عملي- نظري- عملي، وبذلك فهو يتكون من شقين، تكوين نظري يغطي %40 من الزمن التكويني (وقد تحدثت عنه باختصار)، وتكوين عملي يغطي 60% الباقية. هذا التكوين العملي يُبَرمج وفق جدولة زمنية تتألف من أربع مراحل تدريبية، لكل مرحلة أهدافها ومكوناتها وفضاءاتها وصيغ تقويمها، تبتدأ بشكل متدرج من الاستئناس بالمؤسسة التعليمية ومحيطها السوسيومهني، و تنتهي بممارسة مهام الإدارة التربوية في إطار تحمل المسؤولية.

سؤال: جميل، وماذا عن التداريب الميدانية؟
جواب: أشكركم على هذا السؤال، فيما يخص منهجية التداريب فتعتمد على التواصل والتفاعل والحضور الفعال والانخراط المباشر في الحياة المدرسية للمؤسسة المستقبلة، مع تدوين مختلف الملاحظات والتوجيهات والمعاينات والأرقام والإحصائيات...إضافة إلى خلاصات التجربة الميدانية لدى الأطر الإدارية العاملة في المؤسسة المستقبلة، في شبكات للتتبع اليومي؛ حيث تتم صياغتها لاحقا في تقارير يومية وأسبوعية وتركيبية خاصة بكل محطة تدريبية.
وتشكل التداريب الميدانية فرصة لمعايشة العديد من الوضعيات الإدارية والتواصلية         والتدبيرية.. التي تستدعي تدخلا مباشرا يراعي مختلف جوانب الوضعية: قانونيا وتربويا وإداريا واجتماعيا..بمعنى التدخل المناسب بالشكل المناسب؛ وفي هذا الصدد لا أنكر أن الوضعيات الطارئة التي كنا نعيشها خلال هذه التداريب، ساهمت بشكل كبير في تمحيص مكتسباتنا النظرية، بل وكانت بحق عامل استفزاز لمعارفنا ومدى قدرتها على الإجابة الآنية على متطلبات كل وضعية، الشيء الذي أذكى فينا روح البحث المستمر، والتواصل المباشر مع مختلف الفاعلين والمتدخلين والشركاء، قصد الإسهام الجماعي في بلورة حلول للمشاكل العارضة.
ومن بين المهام الأساسية أيضا في الشق الميداني، مهمة التوثيق، حيث كان الاشتغال على تجميع أكبر قدر من نسخ الوثائق بمختلف أنواعها واستعمالاتها ومصادرها... التي يتم اعتمادها في تدبير المؤسسات التعليمية، أو مصالح المديرية الإقليمية، أو أقسام ومصالح الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين.
وتتنوع هذه الوثائق بحسب التداول، بين وثائق الأرشيف الجاري، وأخرى من الأرشيف النهائي، كما تتوزع بحسب المضمون إلى مذكرات ومراسلات ووثائق للتدبير الإداري والتربوي والمادي والمالي...كل هذا ساهم بشكل كبير في إغناء وإثراء الملف الشخصي للإطار الإداري المتدرب (PORTFOLIO) الذي يعتبر أحد أبرز بنود التعاقد، بل ومكونا أساسيا من مكونات التقويم النهائي.
وفي الصدد لابد من تقديم الشكر الجزيل للسادة المديرين الكفلاء (التسمية كما وردت في دفتر التحملات، وتحفظ عليها أغلب المديرين والمكونين وجميع الأطر الإدارية المتدربة) على سعة صدرهم،   وكرم استقبالهم، وبذل قصارى جهدهم، وحرصهم اللامشروط على توفير أسباب النجاح الممكنة لهذه التجربة غير المسبوقة، بل وتشجيع مختلف الفاعلين بمؤسساتهم على التجاوب المستمر مع انتظاراتنا واستفساراتنا وحاجياتنا المهنية والعملية، وأذكر أننا عبرنا بشكل جماعي–كأطر إدارية متدربة (الفوج الأول بمركز مكناس)، بتنسيق مع إدارة المركز والأساتذة المكونين- عن جزء من هذا الاعتراف بحضور هذه الفئة المقتدرة، خلال حفل نهاية السنة التكوينية في رحاب المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمكناس.

سؤال: كنت ممن احتل الرتبة الأولى على مستوى النسخة الثانية من خريجي المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، بل أنجزت مشروعا طموحا رفقة زميلين لك حول مشروع المؤسسة: ما هوية أو ما طبيعة هذا المشروع، وأين تتجلى فائدته؟
جواب: بداية لابد من شكر الله تعالى على نعمة التوفيق، و أقول إن العزم على حسن استثمار الزمن التكويني بوصفه لحظة مستقطعة من عمرنا المهني، وفرصة نادرة قلما يجود بها نظامنا التعليمي، ظل بمثابة الحافز على الجد والمثابرة، والإصرار على المساهمة في إثراء التكوين    وتجويده، والارتقاء به، بالتعاون والتنسيق والتشارك مع مختلف الفاعلين والمتدخلين والزملاء.
ومما عزز من هذا الطموح، وزاد في تأكيد ذلك العزم، الشعور بجسامة المسؤولية التي كنا نستشرف متطلباتها، ونتحسس بثقلها حجم الانتظارات التي راكمتها المدرسة المغربية منذ عقود؛ انتظارات باتت تستفسرنا من موقع القيادة والتدبير بأسئلة محرقة، ظل يتردد صداها مع كل لحظة من لحظات التكوين، وفي كل وضعية من وضعيات التداريب الميدانية، من أجل بلورة أجوبة عملية يفترض أن تكون مدخلا من مداخل قيادة التغيير، قطعا لدابر المراوحة والانتظار. علما أن هذا الشعور ظل يشكل الخيط الناظم لتطلعات فوج بأكمله.
وفي مقام اعتراف كهذا، لابد من التعريج بالذكر المقرون بالامتنان للزميلين العزيزين: الأستاذ لحسن لمغاري، والأستاذ أحمد الحفصي، الذين تشرفت بصحبتهما، وَكَوَنا معا ثلاثيا استطاع أن يبصم بجديته على مسار تكويني حافل بالتحصيل والعطاء.
ومن أمثلة العطاء، التي جاءت كثمرة طيبة للعمل الثلاثي المشترك، إنجاز بحث تدخلي بمثابة مشروع لنهاية التكوين في موضوع: "مشروع المؤسسة بين المرتكزات التنظيمية وسبل الأجرأة والتفعيل" تحت إشراف الأستاذ المكون سعيد مندريس، وأشرفت على مناقشته لجنة مقتدرة مؤلفة من السادة الأساتذة: الدكتور حسن جباح مدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مكناس سابقا، والدكتور عبد الكامل أوزال أستاذ مادة علوم التربية بالمركز نفسه، إضافة إلى الأستاذ المشرف. وبعد مناقشة مستفيضة، قررت اللجنة التنويه بالبحث مع منحه أعلى درجة.
وبالرجوع إلى موضوع البحث، فبالتأكيد لم يكن اختيارها اعتباطيا، بل تم انتقاؤه بعناية فائقة، بالنظر إلى راهنيته وسياقاته وضروراته، و كذلك باعتباره عنوانا للتدبير الحديث، الذي يرتكز على قيم التشارك والتعاون والانفتاح، وعلى مبادئ الإنصاف والتخطيط والقيادة المتبصرة.
 ليس هذا فحسب، بل ساهم أيضا في هذا الاختيار، خلاصات التجارب التي راكمناها كمنسقين لمشاريع مؤسساتنا قبل الالتحاق بالمسلك، إضافة إلى ما لامسناه من تردد وارتباك في العديد من المؤسسات المستقبلة وغيرها، حول فهم واستيعاب ماهية مشروع المؤسسة: غاياته، أهدافه، منهجيته، مجالاته، مرتكزاته، تمويله، أجرأته و آليات ضبطه و تعديله...؛ هكذا كان الاختيار بمثابة استجابة واعية لضرورات السياق الزماني، ومقتضيات الانخراط في مشروع تحديث المنظومة وتطويرها مع بداية الشروع في تنزيل التدابير ذات الأولوية، والرؤية الاستراتيجية (2030/2015).

   سؤال: هل يمكن أستاذ ناصيري أن تضعوا القارئ في الصورة العامة للبحث الذي أنجزتموه؟
جواب: بطبيعة الحال أستاذ. بحثنا تصدى للإشكالية التالية: "مشروع المؤسسة ورهان تحديث تدبير المؤسسات التعليمية في سياق إصلاح منظومة التربية والتكوين"؛ كمساهمة في إثراء النقاش التربوي، حول آليات تفعيل التدبير بالمشروع كآلية للتعاقد، من أجل تعزيز انخراط الفاعلين والمهتمين في سيرورة التطوير الذي باتت تعيش على إيقاعه الإدارة التربوية.
هكذا جاء البحث مكونا من فصول ثلاثة؛ فصل أول بمثابة الإطارالنظري، وتضمن تعريف المفهوم وكرنولوجيا الإرساء، ومنهجية التخطيط والإعداد اعتمادا على تقنية EPAR، مع ابراز دور مشروع المؤسسة في تجسيد المقاربات الحديثة في التدبير.
أما الفصل الثاني فكان ميدانيا بامتياز، حيث اعتمدنا في إنجازه على أدوات عدة، كالاستمارات والمقابلات والأرقام والإحصائيات والمبيانات...، من أجل قياس مؤشرات محددة ودالة على مدى الفهم والتنزيل لدى مختلف الفاعلين، في جميع مراحل إعداد وأجرأة مشروع المؤسسة، وذلك للوقوف على مكامن الخلل قصد تصويبها، مستفيدين في ذلك من التعاقد الذين التزمنا من خلاله مع الأستاذ المكون والزملاء في الفوج، بإعداد موارد مشروع المؤسسة لبناء مضامين هذه المجزوءة ضمن التكوين النظري، في حين جاء الفصل الثالث على شكل خلاصات عن واقع وآفاق تنزيل مشروع المؤسسة، مثلما تضمن جملة من الاقتراحات والتوصيات التي حاولنا من خلالها بلورة رؤية استشرافية لتطوير العمل بالمشروع، كآلية للتدبير وأداة للتعاقد.
وارتباطا بهذا الموضوع، وتجسيدا لروح التقاسم والتشارك والعمل الجماعي، فقد تمكنا بتوفيق الله تعالى من إعداد حقيبة تكوينية رقمية متكاملة حول مشروع المؤسسة، تحت اشراف الأستاذ المكون سعيد مندريس، استغرق إنجازها أسدسا كاملا من البحث والتعديل والتطوير، إضافة إلى مجهودات الزملاء في إخراج نماذج معدلة من مشاريع بعض المؤسسات التعليمية المستقبلة، وفقا للموارد المعتمدة، التي أدرجت ضمن مكونات هذه الحقيبة التكوينية الرقمية.

سؤال: تكوينكم الشخصي وتكوينكم داخل المركز ساهما إلى حد كبير في بناء "كاريزمتكم" الإدارية.. سأسألكم الآن، كيف استقبلتم التجربة المهنية الجديدة؟
جواب: بالتأكيد، المشوار لازال في بدايته، والتجربة المهنية الجديدة بدأت تخطو خطواتها الأولى، لكنها خطوات ثابتة ومدروسة، تجتهد في فهم الواقع الجديد، وتفكيك مكوناته وأنساقه، ونسج علاقات تواصلية مع مختلف الفاعلين والمتدخلين فيه، بما يحقق حسن استيعابه، والاندماج في مختلف فضاءاته ومجالسه وجمعياته وأنديته...مع التطلع لاستثمار المكتسبات والكفايات التي تم بناؤها خلال المرحلة التكوينية.
وأعتقد أن المطلوب في هذه المرحلة، هو الإبقاء على جذوة الأمل في التغيير متوقدة، مع الحفاظ على النفس الإيجابي، والتمسك بالحلم الذي ظل ولا يزال يراودنا، في تعبئة الجميع من أجل الانخراط في تعزيز الانتماء للمدرسة المغربية العمومية، وتثمين أدوارها، إيمانا منا بكون التغيير المنشود بمثابة سيرورة متدرجة، تفترض انخراط الجميع في إنجاحها وتطويرها، وَفْقا لمبدإ: رابح – رابح، وذلك لتفادي جيوب المقاومة، التي أضاعت على المنظومة فرصا عديدة للإصلاح والتغيير.   
ولا أنكر حقيقة أن هذا النفس الإيجابي، بمثابة الخيط الناظم لمختلف الفاعلين بمؤسسة التعيين، بل والعنوان الأبرز للعمل الإداري والتربوي والإشعاعي بها، الشيء الذي ساهم في تكوين مجتمع مدرسي متضامن، كما أشر على دخول مدرسي ناجح، تمت جميع عملياته واجراءاته وفقا لتوجيهات المقرر الوزاري لسنة 2016.
وفي سياق الاحتكاك بالواقع لابد من التذكير بضرورة ترسيخ ثقافة الاعتراف والامتنان المتبادلين، تقديرا للتجربة المتبصرة والخبرة الواسعة والممارسة الميدانية، التي راكمتها الأطر الإدارية الممارسة، وبنفس التقدير؛ للقدرات والمهارات والكفايات والمؤهلات التي امتلكها الخريجون من المسلك، بالنظر إلى مدخلاته ومخرجاته، وفي ذلك تحقيق للتكامل والتعاون بين جيلين يحكمهما واقع مشترك.
ولا أخفي سرا إن قلت إن هذا الاعتراف المتبادل، يعد مدخلا رئيسيا من مداخل التطوير والتحديث الذين تنشدهما الإدارة التربوية.

سؤال: عن المستقبل أسألكم، ما طموحاتكم في الإدارة التربوية؟
جواب: بلا شك، كأي إطار إداري، يقف على عتبة مشوار مهني طويل، لا يمكن إلا أن تكون له إرادة قوية وعزم أكيد على تدشين انطلاقة موفقة، سِمتها الفاعلية وإتقان العمل، مع الحرص على نسج علاقات إنسانية مع جميع الفاعلين والشركاء، خدمة لتجويد العرض التربوي، والاسهام في نحث مفهوم جديد للتدبير، يثمن الأفكار ويشجع المبادرات ويحفز على العطاء المستمر، وَفْق رؤية تشاركية تقوم على مبادئ التخطيط والتحفيز والتدبير بالنتائج... لتحقيق الجودة الشاملة على صعيد المؤسسة التعليمية، وفي أي مستوى من مستويات تدبير منظومة التربية والتكوين.
وإن شئت التفكير والإجابة بصيغة الجمع، فأقول إن هذه الفئة من الأطر الإدارية: خريجي ومتدربي مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وبالنظر إلى الآمال المعقودة عليها من أجل الإسهام في بناء قيادات تربوية ذات كفاءات عالية، قادرة على الارتقاء بالحكامة الإدارية، واعتماد معايير ومؤشرات الجودة في التدبير... تستحق التجاوب العاجل مع الحد الأدنى من مطالبها، استجلاء للضبابية التي ظلت تلف مصيرها، وقطعا مع حالة التسويف والانتظار، التي رافقت مسار هذا المسلك منذ ميلاده قبل أزيد من سنتين؛ ومن أبرز المطالب الملحة:
1-   إخراج القوانين المنظمة للإطار الجديد، الخاص بمسلك تكوين أطر الإدارة التربوية إلى حيز الوجود، وتوضيح آفاقه المستقبلية من مهام وترقية وتعويضات و...؛
2-   الإسراع بتسليم الدبلومات للخرجين؛ 
3-   توسيع وعاء المهام ليشمل مهام الإدارة بالمؤسسات التعليمية بجميع الأسلاك: مدير ابتدائي-إعدادي- تأهيلي – مدير الدروس -ناظر-رئيس أشغال وحراسة عامة؛
4-   إقرار تعويض محفز عن الإطار الجديد وعن المهام، يضمن كرامة الأطر الإدارية ويضمن هيبة الإدارة ويسهل انجاز المهام المنوطة بها على أكمل وجه؛
5-   إقرار حركة انتقالية عادلة تضمن حق الانتقال بين مختلف الأسلاك على غرار مناصب التعيين؛ 
6-   فتح باب التباري في وجه الأطر الإدارية خريجي المسلك على مناصب المسؤولية، بالمصالح الخارجية والمركزية للوزارة؛ 
7-   فتح آفاق متابعة الدراسة العليا في مجال الإدارة لخرجي المسلك.
 سؤال: كلمة أخيرة..
جواب: لا يسعني في ختام هذه المقابلة إلا أن أشكركم أستاذي الفاضل، على اهتمامكم بقضايا التربية والتعليم عموما، وفي القلب منها قضايا الإدارة التربوية خصوصا، اهتمام ينم عن رغبة في توسيع دائرة النقاش والتواصل بين مختلف الفاعلين والمهتمين والباحثين، وفي مواكبة مسارات الإصلاح والتحديث التي تعيش على ايقاعها منظومة التربية والتكوين، مع بداية الشروع في تنزيل التدابير ذات الأولوية للرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2030/2015)... مع صادق مودتي.
سؤال: العفو..بدوري أشكركم مرة أخرى على هذا الحوار، وأتمنى لكم مسارا مهنيا وتربويا ناجحا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تربوي تكويني. يتم التشغيل بواسطة Blogger.