أعلان الهيدر

الرئيسية المؤرخ والمفكر حسن أوريد يشخص أزمة التعليم في المغرب

المؤرخ والمفكر حسن أوريد يشخص أزمة التعليم في المغرب


حسن اوريد في استجوابه التالي يشخص أزمة التعليم المغربي ويقترح الحلول.
ما هي، في رأيك، أسباب فشل التعليم في المغرب؟ ولماذا لم يستطع إلى الآن الخروج من النفق المظلم؟
< من الصعب أن نرد سبب فشل التعليم إلى سبب واحد. لقد كنت من المنتقدين لتدبير قطاع التعليم، قلت ذلك قبل سنتين، ونشرته السنة الماضية في مقال بمجلة «زمان»، وقلته في مناظرة مع جمعية «أماكن»، التي يرأسها عبد الناصر الناجي، لها نظرة دقيقة وتشخيص صائب، ولا يمكن كذلك، بكامل الموضوعية أن نبخس الجهود المبذولة ولا الإنجازات التي تحققت. إذا أردنا أن نكون إيجابيين فلا ينبغي أن نكون عدميين. هذا من حيث المبدأ. ومن حيث التشخيص، هناك محطتان رئيستان في مسارنا التعليمي: المحطة الأولى عقب الاستقلال، وقد حددت المبادئ الأربعة المعروفة (التعميم، التعريب، التوحيد، المغربة)، وهي المحطة التي يمكن أن نقول عنها إن أصحابها كان لهم تصور عن المجتمع الذي يريدون، لكن بدون وسائل، وبنوع من الرومانسية والارتجال كذلك، وفي سياق سياسي مضطرب يطبعه الصراع، والالتفاف حول من قادوا معركة التحرير.في هذا السياق لم يكن ُينظر إلى قطاع التعليم كحل، ولكن كمشكل، وكان رجال التعليم موضع توجس. والمحطة الثانية هي التي بدأت مع خطاب المرحوم الملك الحسن الثاني ليوليوز 1995 حينما قيّم مشكل التعليم من منظور عدم ملاءمته لمتطلبات العولمة. وتمخض عن هذا التشخيص ما سمي بالميثاق الوطني للتربية والتكوين. هل طرحنا في هذا الميثاق مشروعنا المجتمعي أو ما أسميه طموحنا الجماعي؟ هل فكرنا في قضايا من خلال تشخيص نقدمه نحن وحلول نقدمها نحن؟ كيف يستطيع خبير له إلمام بقضايا أبناء مشاكل الضواحي الباريسية أن يقدم تشخيصا دقيقا لقضايانا ويفتي في خياراتنا التربوية والمنهجية؟ هل نختزل إشكالية التعليم في مقاربة عددية: عدد الملتحقين بأسلاك التدريس، نسبة التأطير، عدد الحجرات؟ وهي المقاربة التي لم نخرج منها منذ أخذت أعي قضايا التعليم، منذ بداية السبعينيات، حيث يقدم الوزير أرقاما وبيانات حول عدد المسجلين ونسب الناجحين، ولم يوضح مسؤول، ولو مرة، نوعية التعليم الذي يتلقاه الحاصل على الشهادة الابتدائية، مثلا، وما هي نوعية المعارف التي اكتسبها، والمفاهيم التي حذقها، والقيم التي تشبع بها.على الأقل في عهدنا كنا نعرف أن الحاصل على الشهادة الابتدائية يفترض فيه أنه يعرف القراءة والكتابة، ويعرف المبادئ العامة لتاريخ المغرب وجغرافيته ويحسن العمليات الأربع وبعض عمليات التحويل في الحساب ويحفظ سور الرحمن والواقعة والحديد، ويعرف آيات المنافق، ويميز في اللغة الفرنسية بين مجموعات الأفعال الثلاث، إلخ. لا نقيّم الشواهد ولا الحاصلين عليها، وليس لنا أدوات لتقييمها. ماذا يعني تلميذ حاصل على الباكلوريا؟ النقطة ليست هي أداة التقييم. مثال آخر : لا نزال نشتكي من نسبة الأمية، ولدينا ما هو أسوأ من الأمية: الجهل، فكثيرون ممن يحسنون القراءة والكتابة جهال لا يفهمون ميكانيزمات العالم، أو يقرؤونه من منظور ميتافيزقي، ولا يحسنون شيئا، أو مثلما يقال بالفرنسية لا يعرفون ما يصنعون بأيديهم.. كما لو أنه يكفي أن يفك شخص طلاسم رسوم الكلمات لينتقل من طور إلى طور. هذا كان ممكنا في أوربا لأن اللغة التي يتم التخاطب بها هي التي يتم التعليم بها، وسبقت هذه الثورة المعرفية ثورة فلسفية أزاحت عن العالم أي طابع ميتافيزقي. أقول ميتافزيقي وليس ديني. أنا أفضل شخصا لا يحسن القراءة ولكن لديه صنعة، وله بنية ذهنية قابلة لتلقي المفاهيم العصرية، مثل السببية، والملاحظة، والتجربة، وكل شخص يشتغل بيده ويكد يمكن أن يفهم المبادئ العامة، لأنه مثلما يقول المربون: الذكاء يصعد من اليدين، أي أن التجربة هي التي تصوغ المعرفة، وليس حفظ تجارب الآخرين، وترديدها. ليس لدينا شيء أصبح أساسيا في العملية التربوية. سوسيولوجية التعليم تكون رديفا لدور المفتش.. بإيجاز المسألة التعليمية ليست تقنية، ولكنها ترتبط بشيء أساسي هو أي مجتمع نريد. والميثاق لم يطرح قضية الطموح الجماعي، واكتفى بما يسمى الآن بالتركيز على الكفايات، ومبادئ عامة، غالبها مُملى.
لقد تعلمت من واحد من كبار المربين ومن الرعيل الأول للمفتشين المغاربة الأوائل محمد شفيق، إلى جانب عبد السلام ياسين والمرحوم حسين بن عبد الله، تعلمت منه المقولة الأمريكية: إذا أردت أن تُعلّم اللاتينية لجون، فليس عليك بالضرورة أن تعرف اللاتينية، ولكن يتحتم عليك أن تعرف جون. مأساتنا أننا نضيع وقتا طويلا في تعلم اللاتينيات الممكنة، والتي يمليها علينا تقنوقراط دوليون من خلال تصورات نمطية، وننسى جون. جون هو واقعنا. نعم المسألة التعليمة معقدة. هل لدينا الأطر التي يمكنها أن تقوم بالتشخيص؟ نعم. ما ينقصنا هو الطموح الجماعي، ولا بد من ناطق باسم هذا الطموح، فيخته كما في ألمانيا، أو جول فيري بفرنسا، أو ما قدمه طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر». لو كان لنا تصور جماعي لهانت القضايا المعقدة التي ما فتئنا نتأرجح حولها ونختصم حولها فيما يخص لغات التدريس، والتي لم نحسم فيها، ونرجئها دوما باسم ما يسمى بالتوافق، الذي، مثلما يقول واحد من خيرة العارفين بقضايا التربية في بلادنا، عبد الإله مصدق، هو إرجاء المشاكل وتعقيدها.
- كيف تتصور تطوير التعليم في المغرب وإخراجه من الوضع المأساوي الذي ظل يتخبط فيه منذ الاستقلال؟
< أنا أنطلق من قاعدة مفادها أن علينا أن نفكر متشائمين ونعمل متفائلين. اللحظة التي نعيشها ذهبية من أجل الانكباب على قضايانا التربوية، بالنظر إلى التراكمات التي حصلت، والأخطاء التي ارتكبت، ولكن بالأخص بالنظر إلى السياق الوطني والإقليمي الذي نعيشه.هل يمكن أن نفصل أنفسنا عن محيطنا؟ لا. هل يمكن أن نقول ببساطة: تازة قبل غزة؟ لا. لقد سبق أن كتبت مقالا عن مصر وألمعت فيه إلى أمل المرحوم جمال حمدان في أن تكون مصر أندلس ثانية. لنعملْ جميعا، ولدينا شرعية، من أن نعيد نموذج الأندلس، في حضارته، في معارفه، في فلسفته، في احترامه للآخر، أو إن شئت في تسامحه، بل حتى في فقهه، وليس في مجونه أو «مباهجه».
- البعض يرى أن فسح المجال على عواهنه للتعليم الخصوصي يكرس التمييز بين أبناء الشعب ويحد من تكافؤ الفرص بينهم.
< إن التفكير هو التمييز. الأحكام الجاهزة شأن الأطفال والمراهقين، وربما مجال التنابز في التنافس السياسي. لكن التفكير لا يمكن أن يتم بدون تحليل موضوعي لوضعية معينة بكل أوجهها. هل يمكن للتعليم الخصوصي أن يسهم في حل ما نعانيه من مشاكل تعليمية وتربوية؟ نعم، بل يمكن أن يكون قاطرة للتعليم العمومي، ولذلك ينبغي فتح المنافذ بين القطاعين، على مستوى البرامج، والمربين والتلاميذ، أن تكون نسبة من أبناء الشعب معفاة من الأداء، مثلا. طبعا هذا يفترض الإيمان بأن التعليم ليس سلعة أو عملية تجارية. لسنا وحدنا من عانى من هذا الانزياح. الرأسمالية توربو شيّأت كل شيء: التعليم، الصحة...، وهلهلت ثقافات الأمم وقيمها ووضعت الفعالية أسمى من التضامن..السؤال الذي تطرحه لا ينفصل عن تعاطي جديد مع العملية التربوية برمتها، وليس فقط إصلاحا قطاعيا، ويفترض مقاربة جديدة لدور الدولة. وهذه قضايا لا تهمنا وحدنا، وتطرح حتى في العالم المتقدم. الآن فقط أخذنا ننظر إلى سلبيات العولمة..ما نحتاجه هو إعادة صياغة جديدة Une refonte لكثير من القضايا، وعلى رأسها التعليم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تربوي تكويني. يتم التشغيل بواسطة Blogger.